تمكين المجتمعات
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : الأولوية القصوى التي ينبغي أن تكون على رأس قائمة اهتمامات قوى الاصلاح في العالم العربي هي "تمكين المجتمعات العربية اقتصادياً وسياسياً وعلميّاً، بحيث يتم نقلها من الثقافة الريعية وثقافة التبعية الموغلة في الاعتماد على السلطة، حتى تصبح مجتمعات منتجة قادرة على تحقيق مصالحها المشتركة بطريقة مستقلة.
بات واضحاً أن الاشكال والقوالب الديمقراطية لا تغني عن المضامين الجوهرية الحقيقية للعملية الديمقراطية، التي تعد تتويجاً لعملية تغيير منهجي يطال العقل والنفس والوجدان الشعبي الجماهيري العام، من أجل ترسيخ ثقافة ديمقراطية أصيلة تقوم على ركيزة الحرية المسؤولة والإرادة الجمعية المستقلة في اختيار الاكفياء الأقوياء الأمناء القادرين على تحقيق مصالح العامة.
تعرضت المجتمعات العربية عبر قرن من الزمان إلى عملية عبث ثقافي ممنهج، أدى إلى تشويه المجتمعات وتحطيم منظومة القيم، وصياغة أجيال منبتة ضائعة مشوهة القيم، غائبة عن الانخراط في الهم الوطني، وبعيدة عن المشاركة في العمل العام، وأصبح هناك فجوة بين الأجيال، تظهر جليَّاً في سلوكات الطلاب في الساحات الجامعية وفي تصرفات الأجيال الجديدة.
أول عامل من عوامل الضياع والتخريب في المجتمعات العربية وأهمها على الاطلاق يتمثل في منظومة الاستبداد والفساد التي أحكمت قبضتها على مقاليد الحكم في العالم العربي، والتي ظهرت في عدة أشكال ومظاهر تبدو في ظاهرها مختلفة، ولكنها متشابهة إلى حدّ التطابق، من حيث المضمون والحقيقة الجوهرية المتمثلة بالتشبث بكرسي الحكم والاحتفاظ به إلى الأبد.
هذه المنظومة عملت على إفساد الضمير العام عن طريق اتباع أسلوب شراء الولاءات والذمم، مما أدى إلى إيجاد طبقة طفيلية نفعية فرضت زعامتها على المجتمعات المحلية المكونة من عشائر وعائلات وروابط الدم والقرابة، وتطورت عملية الشراء في هذا المضمار إلى أعلى مستويات النجاح عندما عمدت إلى الشخصيات المعطوبة وذات المستوى المتدني من الثقافة والتعليم، من أجل زيادة تشبثها بالولاء المصطنع القائم على أساس المنفعة الماديّة المحضة.
لم تقتصر منظومة الفساد على صناعة الزعامات البائسة والمعطوبة بل عمدت إلى محاربة الشخصيات القوية، وإبعاد الكفاءات العقلية عن مواقع التأثير، من أجل ضمان بقاء الصمت المتواطئ مع الفساد.
العامل الثاني يتمثل بعملية الاختراق الثقافي المرتكز على معنى التغريب، الذي تسلّط على أصحاب الدرجات العلمية، والكفاءات العقلية، وجرى صناعتها وفق برامج مدروسة، من أجل العمل على تأهيلها خارجيّاً لاستلام مواقع النفوذ والتأثير على مركز صنع القرار، مما أدى إلى إيجاد فجوة هائلة بين النخب الحاكمة والمتنفذة والمجتمعات الغارقة في مستنقع الفقر والتخلف والأميّة الثقافية المتقشيّة.
هذه النخب المتغربة عملت على ديمومة الوضع القائم واستمراره، الذي يحول دون وعي المجتمع وصحوته، وعملت على إيجاد عملية تعليم سطحية غير ممنهجة تخلو من التخطيط المحكم، مما جعل العملية التعليمية القائمة في المجتمعات العربية تسهم في صناعة الأقنعة التي تغلف التخلف الثقافي والانهيار القيمي، مما زاد في صعوبة العلاج وعرقلة عملية التغيير.
نحن بحاجة إلى صحوة ضمير عارمة، تقف على حقيقة المشكلة وتعمل على التحضر للبدء بعملية اصلاح مجتمعي شامل عميق، هادئ ومتدرج ولكنه يسير وفقاً لخطة محكمة ونظرة صائبة، تعمل على إعادة تأهيل المجتمعات العربية علمياً وثقافياً وتربوياً وقيمياً، قبل الشروع بعملية انتاج القوائم الانتخابية الشكليّة، التي زادت الطين بلة، وزادت من حدة المرض وأطالت أمد الشقاء، إذ لا يمكن للعملية الديمقراطية أن تنجح وتؤتي ثمارها، قبل البدء في معركة تمكين المجتمعات العربية، بطريقة علمية ومنهجية صحيحة.العرب اليوم
بات واضحاً أن الاشكال والقوالب الديمقراطية لا تغني عن المضامين الجوهرية الحقيقية للعملية الديمقراطية، التي تعد تتويجاً لعملية تغيير منهجي يطال العقل والنفس والوجدان الشعبي الجماهيري العام، من أجل ترسيخ ثقافة ديمقراطية أصيلة تقوم على ركيزة الحرية المسؤولة والإرادة الجمعية المستقلة في اختيار الاكفياء الأقوياء الأمناء القادرين على تحقيق مصالح العامة.
تعرضت المجتمعات العربية عبر قرن من الزمان إلى عملية عبث ثقافي ممنهج، أدى إلى تشويه المجتمعات وتحطيم منظومة القيم، وصياغة أجيال منبتة ضائعة مشوهة القيم، غائبة عن الانخراط في الهم الوطني، وبعيدة عن المشاركة في العمل العام، وأصبح هناك فجوة بين الأجيال، تظهر جليَّاً في سلوكات الطلاب في الساحات الجامعية وفي تصرفات الأجيال الجديدة.
أول عامل من عوامل الضياع والتخريب في المجتمعات العربية وأهمها على الاطلاق يتمثل في منظومة الاستبداد والفساد التي أحكمت قبضتها على مقاليد الحكم في العالم العربي، والتي ظهرت في عدة أشكال ومظاهر تبدو في ظاهرها مختلفة، ولكنها متشابهة إلى حدّ التطابق، من حيث المضمون والحقيقة الجوهرية المتمثلة بالتشبث بكرسي الحكم والاحتفاظ به إلى الأبد.
هذه المنظومة عملت على إفساد الضمير العام عن طريق اتباع أسلوب شراء الولاءات والذمم، مما أدى إلى إيجاد طبقة طفيلية نفعية فرضت زعامتها على المجتمعات المحلية المكونة من عشائر وعائلات وروابط الدم والقرابة، وتطورت عملية الشراء في هذا المضمار إلى أعلى مستويات النجاح عندما عمدت إلى الشخصيات المعطوبة وذات المستوى المتدني من الثقافة والتعليم، من أجل زيادة تشبثها بالولاء المصطنع القائم على أساس المنفعة الماديّة المحضة.
لم تقتصر منظومة الفساد على صناعة الزعامات البائسة والمعطوبة بل عمدت إلى محاربة الشخصيات القوية، وإبعاد الكفاءات العقلية عن مواقع التأثير، من أجل ضمان بقاء الصمت المتواطئ مع الفساد.
العامل الثاني يتمثل بعملية الاختراق الثقافي المرتكز على معنى التغريب، الذي تسلّط على أصحاب الدرجات العلمية، والكفاءات العقلية، وجرى صناعتها وفق برامج مدروسة، من أجل العمل على تأهيلها خارجيّاً لاستلام مواقع النفوذ والتأثير على مركز صنع القرار، مما أدى إلى إيجاد فجوة هائلة بين النخب الحاكمة والمتنفذة والمجتمعات الغارقة في مستنقع الفقر والتخلف والأميّة الثقافية المتقشيّة.
هذه النخب المتغربة عملت على ديمومة الوضع القائم واستمراره، الذي يحول دون وعي المجتمع وصحوته، وعملت على إيجاد عملية تعليم سطحية غير ممنهجة تخلو من التخطيط المحكم، مما جعل العملية التعليمية القائمة في المجتمعات العربية تسهم في صناعة الأقنعة التي تغلف التخلف الثقافي والانهيار القيمي، مما زاد في صعوبة العلاج وعرقلة عملية التغيير.
نحن بحاجة إلى صحوة ضمير عارمة، تقف على حقيقة المشكلة وتعمل على التحضر للبدء بعملية اصلاح مجتمعي شامل عميق، هادئ ومتدرج ولكنه يسير وفقاً لخطة محكمة ونظرة صائبة، تعمل على إعادة تأهيل المجتمعات العربية علمياً وثقافياً وتربوياً وقيمياً، قبل الشروع بعملية انتاج القوائم الانتخابية الشكليّة، التي زادت الطين بلة، وزادت من حدة المرض وأطالت أمد الشقاء، إذ لا يمكن للعملية الديمقراطية أن تنجح وتؤتي ثمارها، قبل البدء في معركة تمكين المجتمعات العربية، بطريقة علمية ومنهجية صحيحة.العرب اليوم