القطاع الزراعي وتحفيز النمو
ليس من قبيل المبالغة القول إن الزراعة هي التي تمثل قاعدة النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني، وأنها تمثل الأساس الأكثر أهمية في تحديد الاتجاه نحو ترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات، ومن المعلوم جيداً أن الدول التي نجحت في قطاع الصناعة واحتلت مراتب متقدمة جداً في عالم التصنيع لم تستغن عن الزراعة وتطويرها وتحسين أدوات انتاجها وتطوير أساليب الري وتوفير المياه، وتجويد المنتوجات وحمايتها من الآفات، فالولايات المتحدة التي تحتل المركز المتقدم في عالم الصناعة هي نفسها التي تحتل المرتبة الأولى في مجال الانتاج الزراعي على مستوى العالم، وخاصة على صعيد المحاصيل الزراعية الاستراتيجية مثل (القمح)، وهي تزعم أنها قادرة على كفاية العالم بهذه السلعة الضرورية وذات الأهمية البالغة، وتأتي فرنسا في المرتبة الثانية عالمياً على صعيد الانتاج الزراعي وهذا لا يتعارض ولا يعطل تقدمها الكبير في عالم الصناعة.
نحن في الأردن نعاني من تدهور القطاع الزراعي وإهماله وهناك تراجع كبير وهائل بين النسبة التي كان القطاع الزراعي يسهم بها في الانتاج الوطني الإجمالي قبل عدة عقود، وبين النسبة التي يحققها القطاع الزراعي في العصر الحاضر، وهذه تعد مفارقة عجيبة تستحق أقصى درجات الاستنفار من القائمين على مواضيع التخطيط الاستراتيجي، ومن أصحاب المسؤولية المتعلقة بالنمو، ومن كل الدارسين والباحثين والمتخصصين في مجالات الاقتصاد والزراعة على صعيد الجامعات وكليات الزراعة فيها، ومراكز الدراسات والبحث.
نحن في الأصل بلد زراعي، ونملك بيئة زراعية مثالية، فلدينا الأغوار التي تمتاز بمؤهلات لا تتوافر لمعظم بلدان العالم ولدينا تنوع وتعدد في البيئات التي تستيطع أن تنتج عدداً من الأصناف الزراعية في أوقات مختلفة ومميزة، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يسهل عملية تصدير المنتوجات للبلدان المجاورة، حيث يستطيع الأردن أن يشكل مورداً رئيساً للبلدان العربية المجاورة في الخليج والعراق بدرجة أولى التي تستوعب قسطاً كبيراً من منتوجاتنا الزراعية.
نحن في الأردن نملك خبرة زراعية لا تقدر بثمن على صعيد الموارد البشرية، حيث كان المزارع الأردني يحتل مرتبة متقدمة على صعيد دول المنطقة، وربما استطاعت «اسرائيل» أن تحقق موقعاً متقدما في مجال الزراعة لم تحققه الدول العربية مجتمعة، واستطاعت أن تمثل المصدر الأول لبعض الخضار والفواكهة للاتحاد الأوروبي، من حيث غزارة الانتاج وجودته، وهذا ما ينبغي أن تشتغل عليه الحكومة .
مسألة توفير الأسواق القادرة على استيعاب المنتوجات الأردنية هي مهمة الحكومة الرئيسة، لأن المزارع مهمته الانتاج ولن يكون بمقدوره التسويق، لأن هذه المسألة تخضع للعلاقات السياسية والمتغيرات الإقليمية التي تتعرض لها المنطقة، ومن هنا فإن الحكومة تتحمل مسؤولية كبيرة في هذا السياق بالتعاون مع المؤسسات ذات الاختصاص ومع مسؤولي اتحاد المزارعين والاتحاد التعاوني وغيرها من دوائر التسويق.
الحكومة ينبغي أن تنظر بعين الاهتمام والرعاية لهذا القطاع وأن تعمل على تنميته وتخفيض العبء عن المزارعين في توفير البذار والأدوية والأدوات الزراعية بأرخص الأسعار وبما يجعلها ميسرة في أيدي المزارعين من أجل الإسهام الفعلي في زيادة الانتاج الوطني ومن أجل الإسهام في ترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات بطريقة حقيقية ممكنة وفاعلة.