حتى لا نستمر في صناعة السراب
لا يمكن تجاهل الترابط بين قانون الانتخاب والنظام الداخلي لمجلس النواب عند محاولة تفسير الأداء الغريب والهزيل لأعضاء المجلس في مختلف القضايا ومنها ما حدث ويحدث مؤخرا في قضيتي انتخاب رئيس المجلس وتشكيل الحكومة البرلمانية، فهذان الملفان مرتبطان بشكل مباشر بالكتل النيابية التي لا يعترف بها لا قانون الانتخاب ولا النظام الداخلي، وهي ببساطة مجرد تجمعات للنواب لا تحكمها أي قوانين او أنظمة او حتى اعراف، وليس لها أي ثقل سياسي على ارض الواقع، وقد فشل النواب في إعطاء صورة معاكسة لهذه الحالة في كافة المجالس النيابية منذ العام 1989 وحتى الان.
ولعل البداية في فهم هذا الموضوع يجب ان تنطلق من قانون الانتخاب والنظام الانتخابي الذي يشجع على الأداء الفردي المرتبط بمصالح النائب الشخصية ومصالح ناخبيه الجهوية او الخدمية، وهو الامر الذي يعد العامل الأول في تشكيل سلوك النائب تحت قبة البرلمان، وهو سلوك فردي قريب من الانتهازية، وهو ما يحدد علاقة النائب بغيره من النواب سواء عند تشكيل الكتل او التصويت، ولذلك لم يكن مستغربا ان لا يلتزم عدد من النواب بقرار كتلهم في التصويت لصالح النائب محمد الحاج في انتخابات رئاسة المجلس الأخيرة، حيث ان نائبا مخضرما مثل سعد هايل السرور كان لديه من الخبرة والدراية ما مكنه من اختراق الكتل والحصول على أصوات النواب فرديا في المرحلة الأولى على الأقل، اما المرحلة الثانية فكان لها حسابات اكثر تعقيدا.
ولان الكتل لا تسمن ولا تغني من جوع فقد كان طبيعيا ان لا يلتزم عدد من النواب بقرار كتلهم، وهو الامر الذي سيتكرر غالبا في عملية تشكيل الحكومة البرلمانية، من هنا نستطيع ان نفهم تماما لماذا سيلتقي رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة بالنواب خارج إطار كتلهم على الرغم من انه سيلتقي بالكتل أيضا، فالرجل يدرك تماما ان ما ستقوله قيادات هذه الكتل ليس ملزما بالضرورة لأعضائها، وان هناك إمكانية كبيرة لتفاهمات مع النواب بعيدا عن قرار الكتل مما قد يمهد الطريق امام تشكيل حكومة على المقاس، خاصة وان معظم الكتل لم تتشكل على أرضية سياسية او برامجية محددة بل تشكلت وفقا لعوامل العلاقات والمصالح الشخصية.
ان الوصول الى برلمان قوي وحكومة برلمانية حقيقية لا يمكن ان يحدث بالإصرار على تكرار المصطلحين دون تغيير المدخلات، لان هذا سيكون اما مناطحة للصخر او صناعة للسراب، وتغيير المدخلات لا يكون الا بتغيير قانون ونظام الانتخاب ليسهل وصول النواب السياسيين ضمن مجموعات سياسية، وهذا لن يحصل اذا ما استمر قانون الصوت الواحد، اما الامر الاخر الذي يجب تعديله فهو النظام الداخلي للمجلس الذي يجب ان يعترف بوجود الكتل ويفصل حقوقها والتزاماتها، وبغير ذلك سنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة التي تعبنا من الدوران فيها لعقود.