حكومة الوقت الضيق
قبل اقل من عام وتحديدا في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، لم يترك رئيس الوزراء السيد عبد الله النسور شاشة تلفزيون الا وظهر عليها مبررا قرار حكومته برفع أسعار المشتقات النفطية ومحذرا من كارثة اقتصادية اذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة قبل نهاية العام، ورد وقتها على كل من عارض تلك القرارات ان الوقت لا يسمح باللجوء الى سياسات بديلة وان البلد على حافة الإفلاس.
الان وبعد مرور عام كامل، لم تقم الحكومة بأي خطوة باتجاه سياسات بديلة واستمرت في سياساتها التقشفية التي قصمت ظهر المواطنين ودفعت المزيد من الأردنيين الى خط الفقر، بل ان هذه الحكومة لم تقم باستثمار الوديعة الخليجية لتحريك عجلة الاقتصاد، وليتضح ان حجة قصر الوقت لم تكن الا رمادا تم ذره في العيون لا اكثر وأن هذه الحكومة لا تملك أي برنامج اقتصادي حقيقي لا على المدى القصير ولا الطويل، فهي حكومة إجراءات تقشفية بامتياز، وطبعا هي إجراءات تقشفية على حساب المواطن بالدرجة الأولى.
رئيس الوزراء الذي اكد اكثر من مرة بانه يؤدي مهمته الوطنية، لم يفكر حتى في تقديم أي مقترح لتحقيق أي خطوة على طريق الإصلاح السياسي، فلم تقدم هذه الحكومة اي قانون سياسي لمجلس النواب، بل ان الحديث عن الإصلاح تراجع بشكل ملحوظ حتى كاد ان يختفي ان لم يكن قد اختفى بالفعل من اجندة الحكومة التي اقتصر دورها على جباية اكبر قدر ممكن من أموال الأردنيين، لا بل ان الحريات العامة سجلت تراجعا واضحا في عهد هذه الحكومة التي برأسها من كان يوما نائبا يدافع عن هذه الحريات بشراسة، فتم اغلاق المواقع الإخبارية وزاد عدد معتقلي الرأي والمحاكمين امام محكمة أمن الدولة وتم توجيه كم غير مسبوق من الانتقادات لحالة حقوق الانسان في الأردن في جلسة المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة.
حقيقة لا اعرف ما هو الشيء الإيجابي الذي قامت به حكومة عبد الله النسور، فحتى لو اتفق البعض مع بعض الإجراءات الاقتصادية القاسية التي اتخذتها هذه الحكومة الا انه من غير المعقول ان يقتصر دورها على هذه الإجراءات، فالسياسات الاقتصادية لا يمكن ان ترتكز فقط على زيادة الضرائب ورفع الدعم، إضافة الى غياب أي تقدم على مسار الإصلاح السياسي، هذه بالتأكيد أسوأ معادلة ممكنة لإدارة الدولة.
لا احد يعلم (كما هو الحال دائما) كم بقي في عمر هذه الحكومة ولكني لا اعتقد ان في عمرها ما يسعفها لتقديم ما يشفع لها امام المواطنين والوطن، فضيق الوقت التي تذرع به عبد الله النسور عندما رفع الأسعار قبل عام من الان، سيكون هو نفسه الذي سيمنع هذه الحكومة من تبييض صفحتها حتى ولو جزئيا، ولن يذكر احد هذه الحكومة الا كونها الحكومة التي لم تفعل شيئا الا رفع الأسعار، مع ان الفرصة كانت مواتية امامها لأحداث بعض التغييرات الإيجابية، فقد امتلك الوقت والهدوء الذي لم يكن متاحا لاخر ثلاث حكومات قبلها.