في الذكرى السبعين للنكبة
سبعون عاماً من الحروب والمجازر والدماء والقتل والتشريد مرت على نكبة العرب وذكرى الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني والاعتراف الدولي به على أشلاء أطفال فلسطين وجماجم شعبها واغتصاب أرضها، وتم الاحتفاء بهذه الذكرى بتدشين نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة، لتأكيد تكريس الاحتلال وشرعنة العدوان واذكاء مشاعر القهر والهزيمة، والعصف بكل ما أطلق عليه معاهدات ومواثيق مع الكيان المغتصب.
النكبة الفلسطينية العربية كانت ثمرة حتمية لسلسة من النكبات العديدة المتوالية التي أصابت الأمة، والتي جعلت مجموعة من العصابات الصهيونية المتطرفة مثل ((الهاجاناة)) و ((شتيرن)) تتغلب على الجيوش العربية السبعة التي جاءت لانقاذ فلسطين برعاية الدولة المستعمرة بريطانيا، بعد قيامها بمجموعة مجازر إرهابية من أجل نشر الرعب في أوساط الفلسطينيين العزل لدفعهم إلى الهجرة والهروب من مدنهم وقراهم.
النكبة الأساسية كانت بتجريد الشعوب العربية من حريتها ومصادرة إرادتها، وتجريدها من قوتها وقدرتها على تقرير مصيرها، وحرمانها من المشاركة في إدارة مواردها وحفظ مقدراتها، واختيار حكوماتها، ووقوعها تحت نير الاستبداد والفساد المشرعن والمغطى بضباب الخداع والتدليس، وطمس الحقائق وتزييف الوعي الجمعي.
النكبة الثانية تتمثل بإشاعة الفرقة في صفوف الأمة وبين مكوناتها، وإثارة كل كوامن الفتنة ونشر بذور النزاعات العرقية والدينية والمذهبية والجهوية والقطربة، واستسلم الناس لمخططات أعدائهم واستجابوا لدعواتهم، ما أدى إلى تشتت الأمة وضعفها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل شرع العرب بقتل بعضهم بعضا، وممارسة التدمير الذاتي بكل إصرار.
النكبة الثالثة تتمثل بالجهل والتخلف، وتغييب العقل العربي عن الفاعلية الحقيقية، عن طريق نشر التعليم المزيف غير القادر على إعادة بناء الإنسان العربي، ما أدى إلى تحويل الأمة العربية إلى أمة عاجزة وغير قادرة على الإمساك بناصية العلم وغير قادرة على الانتاج وغير قادرة على المنافسة في الحقول العلمية والمعرفية.
النكبة الرابعة تمثلت بتسلط النخب الفاسدة على مقدرات الأمة، وسلب الشعوب ثرواتها، وتحويلها إلى مجاميع مستهلكة معتمدة على غيرها في غذائها ولباسها وصناعاتها، وأصبح النفط لعنة على العرب، بدلاً من أن يكون عاملاً من عوامل بناء قوتها واقتصادياتها الذاتية.
إن نكبات الأمة الداخلية والذاتية هي التي صنعت نكبة الأمة الخارجية، وجعلتها عرضة للأطماع والغزو والسلب، وعرضة للاحتلال والعدوان، ولا سبيل للتخلص من آثار النكبة الخارجية إلّا من خلال التخلص من نكباتنا الذاتية الداخلية سياسياً واقتصادياً وعملياً وتربوياً.
الدستور