تسعير المحروقات: أنتم السبب
جمانة غنيمات
جو 24 : بدأ الأردن بتطبيق سياسة السوق المفتوحة، والتخلص من دعم السلع والخدمات، منذ نحو عقدين من الزمن. رغم ذلك، لم يستطع الأردنيون هضم الفكرة والاقتناع بها، وما يزال المجتمع، حتى آخر زيادة للأسعار نهاية الشهر الماضي، رافضا للفكرة.
أين المشكلة؟ ولماذا لم يقنع المواطن حتى اليوم بالفكرة، ويرفضها؟
ثمة أسباب مختلفة تقود إلى هذه النتيجة، أبرزها غياب الشفافية والإفصاح عن ملف تسعير المحروقات. فإبان حقبة الحصول على المنحة النفطية العراقية (نصفها مجاني، والنصف الثاني بأسعار تفضيلية)، والتي بدأت في عهد صدام حسين واستمرت لسنوات حتى انقطعت في العام 2005، لم تكن المعلومات متوفرة، ولم تُعلن قيمة المبالغ التي كانت تجنيها الخزينة من بيع النفط العراقي للمواطن.
بعد توقف النفط العراقي، حصلت المملكة على منحة نفطية ثلاثية من السعودية والكويت والإمارات. وما شاب المنحة العراقية من غياب الشفافية، استمر مع المنحة الجديدة؛ وكثيرون يتذكرون كيف تعاملت الحكومات في حينه مع المسألة بسرية، وأحاطتها بكل ما أوتيت من تكتم على صعيد الكميات والقيمة.
في الأثناء، وقع الأردن اتفاقية الغاز مع مصر في العام 2001، والذي بوشر بضخه في العام 2003. وهنا أيضا لم تكن الحال أفضل؛ فأسعار الصفقة -وهي تفضيلية- ظلت سرا من أسرار الدولة، ولم تعلن إلا عقب سقوط نظام حسني مبارك. وتمت مراجعة الاتفاقية بعد ذلك، وليعلن عن التعرفة الجديدة، كما القديمة.
بعد العام 2005 لم يتغير المسلك الحكومي؛ فظل إخفاء المعلومات سيد الموقف. وفي العام 2008، أقدمت حكومة نادر الذهبي على تحرير المحروقات، لكن أرقام الدعم المترتب على الخزينة في حينه لم تكن دقيقة، وظلت الأمور على هذا النحو لسنوات.
2010 كان عام المفاجأة الكبرى، عندما علم الرأي العام المحلي عن أن لدينا صندوقا للتحوط تجاه أسعار النفط، كان تأسس منذ سنوات، وتم بموجبه فرض رسوم بنسبة 10 % على المحروقات، لم يعلم المستهلك أنه يسددها إلا حين أعلنت حكومة سمير الرفاعي، مضطرة، عن الصندوق، في محاولة لتبرير وتمرير فرض ضرائب على المحروقات، عبر إلغاء الرسوم المفروضة سابقا، وإعلان حزمة موحدة من الضرائب عليها.
في ذلك الوقت أيضا، قالت الحكومة إن التوحيد يلغي رسوم البلديات، ونسبتها 8 %، على المشتقات النفطية. لكن التوجه ما يزال غير واضح؛ فرغم إلغائها في 2010، إلا أن وزارة البلديات ما تزال تطالب وزارة المالية بهذه الرسوم.
للتسعير الشهري قصة أخرى. فقد بدأت الحكومات بتطبيقه العام 2008، وظلت ملتزمة به حتى نهاية كانون الثاني (يناير) 2011 في عهد حكومة الرفاعي، مع بدء الحراك المطالب بالإصلاح.
ورغم طول السنوات، إلا أن ماهية آلية التسعير ما تزال معقدة وغير واضحة؛ إذ يصعب على الخبراء فهمها، فما بالك بالمواطن العادي؟ وكل تصريحات وزراء الطاقة حيالها فشلت في "فكفكة" طلاسمها وتبسيطها!
مع معاودة تحليق أسعار النفط عالميا، تضاعفت التعقيدات، وصعب على الناس فهم آلية التسعير. إذ هم يتساءلون حتى اليوم حول كيف أن أسعار هذه السلعة لم تصل إلى مستوياتها اليوم عندما بلغ سعر البرميل سابقاً 142 دولارا؟ والسبب أن الحكومة لم تقدم شرحا وافيا لتأثيرات فرض الضريبة، والمقدرة حاليا بنسبة 40 % على بنزين "أوكتان 95" و22 % على "أوكتان 90".
كل هذه السنوات ولم تدرك الحكومات دور الحقيقة والإفصاح في إقناع المجتمع بنهجها، فظلت مصرة على الضبابية وتغييب الشفافية. وقد نجحت في تمرير القرارات، لكنها أخفقت بالتأكيد في توصيل رسائلها للمجتمع.
وساهم غياب الثقة، بالتزامن مع أداء حكومي لم ينعكس إيجابيا على حياة الناس، في توليد مزيد من التشكيك في كل ما تفعله الحكومات. ولا يتوقع أن تتغير الحال طالما أن الحقيقة غائبة.الغد
أين المشكلة؟ ولماذا لم يقنع المواطن حتى اليوم بالفكرة، ويرفضها؟
ثمة أسباب مختلفة تقود إلى هذه النتيجة، أبرزها غياب الشفافية والإفصاح عن ملف تسعير المحروقات. فإبان حقبة الحصول على المنحة النفطية العراقية (نصفها مجاني، والنصف الثاني بأسعار تفضيلية)، والتي بدأت في عهد صدام حسين واستمرت لسنوات حتى انقطعت في العام 2005، لم تكن المعلومات متوفرة، ولم تُعلن قيمة المبالغ التي كانت تجنيها الخزينة من بيع النفط العراقي للمواطن.
بعد توقف النفط العراقي، حصلت المملكة على منحة نفطية ثلاثية من السعودية والكويت والإمارات. وما شاب المنحة العراقية من غياب الشفافية، استمر مع المنحة الجديدة؛ وكثيرون يتذكرون كيف تعاملت الحكومات في حينه مع المسألة بسرية، وأحاطتها بكل ما أوتيت من تكتم على صعيد الكميات والقيمة.
في الأثناء، وقع الأردن اتفاقية الغاز مع مصر في العام 2001، والذي بوشر بضخه في العام 2003. وهنا أيضا لم تكن الحال أفضل؛ فأسعار الصفقة -وهي تفضيلية- ظلت سرا من أسرار الدولة، ولم تعلن إلا عقب سقوط نظام حسني مبارك. وتمت مراجعة الاتفاقية بعد ذلك، وليعلن عن التعرفة الجديدة، كما القديمة.
بعد العام 2005 لم يتغير المسلك الحكومي؛ فظل إخفاء المعلومات سيد الموقف. وفي العام 2008، أقدمت حكومة نادر الذهبي على تحرير المحروقات، لكن أرقام الدعم المترتب على الخزينة في حينه لم تكن دقيقة، وظلت الأمور على هذا النحو لسنوات.
2010 كان عام المفاجأة الكبرى، عندما علم الرأي العام المحلي عن أن لدينا صندوقا للتحوط تجاه أسعار النفط، كان تأسس منذ سنوات، وتم بموجبه فرض رسوم بنسبة 10 % على المحروقات، لم يعلم المستهلك أنه يسددها إلا حين أعلنت حكومة سمير الرفاعي، مضطرة، عن الصندوق، في محاولة لتبرير وتمرير فرض ضرائب على المحروقات، عبر إلغاء الرسوم المفروضة سابقا، وإعلان حزمة موحدة من الضرائب عليها.
في ذلك الوقت أيضا، قالت الحكومة إن التوحيد يلغي رسوم البلديات، ونسبتها 8 %، على المشتقات النفطية. لكن التوجه ما يزال غير واضح؛ فرغم إلغائها في 2010، إلا أن وزارة البلديات ما تزال تطالب وزارة المالية بهذه الرسوم.
للتسعير الشهري قصة أخرى. فقد بدأت الحكومات بتطبيقه العام 2008، وظلت ملتزمة به حتى نهاية كانون الثاني (يناير) 2011 في عهد حكومة الرفاعي، مع بدء الحراك المطالب بالإصلاح.
ورغم طول السنوات، إلا أن ماهية آلية التسعير ما تزال معقدة وغير واضحة؛ إذ يصعب على الخبراء فهمها، فما بالك بالمواطن العادي؟ وكل تصريحات وزراء الطاقة حيالها فشلت في "فكفكة" طلاسمها وتبسيطها!
مع معاودة تحليق أسعار النفط عالميا، تضاعفت التعقيدات، وصعب على الناس فهم آلية التسعير. إذ هم يتساءلون حتى اليوم حول كيف أن أسعار هذه السلعة لم تصل إلى مستوياتها اليوم عندما بلغ سعر البرميل سابقاً 142 دولارا؟ والسبب أن الحكومة لم تقدم شرحا وافيا لتأثيرات فرض الضريبة، والمقدرة حاليا بنسبة 40 % على بنزين "أوكتان 95" و22 % على "أوكتان 90".
كل هذه السنوات ولم تدرك الحكومات دور الحقيقة والإفصاح في إقناع المجتمع بنهجها، فظلت مصرة على الضبابية وتغييب الشفافية. وقد نجحت في تمرير القرارات، لكنها أخفقت بالتأكيد في توصيل رسائلها للمجتمع.
وساهم غياب الثقة، بالتزامن مع أداء حكومي لم ينعكس إيجابيا على حياة الناس، في توليد مزيد من التشكيك في كل ما تفعله الحكومات. ولا يتوقع أن تتغير الحال طالما أن الحقيقة غائبة.الغد