الإساءة إلى المعلمين جناية عظمى
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : الإساءة إلى البشر كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونسائهم، غنيّهم وفقيرهم، جريمة تستحق العقاب، لأنّ الله خلقهم مكرمين، ولا تفاوت في الكرامة الآدمية، فالخلق فيها سواء، امتثالاً لقول الله تعالى:{ولقد كرمنا بني آدم}، من دون تفريق في الدين أو المذهب أو الطبقة أو العرق أو الجنس أو العمر أو المهنة.
لكن الإساءة إلى المعلمين أكبر جريمة وأعظم جناية؛ لأنّ مهنة التعليم من أشرف المهن وأعظمها فائدة ومصلحة لبني البشر، وهل هناك عمل أكثر فائدة من نشر العلم وإزالة الجهل وتعليم الناس الخير، ولذلك توارثت الأمم عرف احترام المعلّم في كل العصور والأزمان، وفي كل البلدان وعند كل الشعوب، والأصل كلما تقدمت الحضارات والمدنيات يزداد احترام المعلم ويرتفع مستوى تقديره، لأنّ ذلك من صميم احترام العلم والعلماء ويعبّر عن احترام الأمّة لذاتها.
عندما تهبط مستويات التعامل مع المعلم، وتهبط منزلة التعليم في المجتمع، وتصبح مهنة التعليم محلاً للسخرية والازدراء، وتقلّ هيبة المعلم في المجتمع فهذا مؤشر خطير على مرض مجتمعي كبير يؤذن بالخراب والانهيار، ويؤذن بمستقبل قاتم بلا مبالغة أو تهويل، ويكون المؤشر أكثر خطورة عندما تصدر الإساءة من كبار رجال التربية والمشرفين على العملية التعليمية برمّتها.
فقد أساء وزير تربية أسبق إلى جمهور المعلمين، عندما تجمعوا من أجل المطالبة بتأسيس نقابة لهم تحفظ حقوقهم وتسهم في رفع مستوى مهنة التعليم، واليوم يخرج علينا أحد مدراء التربية والتعليم ليصف المعلمين العاملين لديه بأنّهم "همل" عندما تجمّعوا للوقوف في وجه الإساءات المتكررة إليهم، فهذه ظاهرة غريبة وعجيبة تستحق أعلى درجات الاستهجان والاستنكار المجتمعي، لكونها صادرة ممّن يتبوأ موقعاً تربوياً عظيماً أو يفترض به أن يكون كذلك.
هذه الجناية تؤكد خللاً منهجياً عظيماً في طريقة اختيار المسؤولين وفي طريقة الترفيع والترقية بوجهٍ عام، وعلى صعيد القيادات التربوية بوجه خاص، فالأصل أن لا يصل إلى هذه المواقع إلاّ من استطاع أن يجمع بين قوة التخصص وجمال الخلق وطول التجربة وتراكم النجاح، إضافة إلى التمتع بالحس التربوي المرهف والانتماء العميق إلى المهنة والقدرة على إدراك سموّ مكانتها واحترام منظومة قيمها بسلوك أصيل بلا تكلف أو تملق.
الحديث عن المعلم والمعلمين ذو شجون، لأنّه يتفرع من الحديث الطويل عن مهنة التعليم برمّتها وعن مهمّة إعداد الأجيال وبنائها، وعن مهمّة صياغة مستقبل البلد كلّه، ما يستدعي الحديث عن المناهج التعليمية والتربوية وقدرتها على تحقيق هذه الأهداف العظيمة، كما يستدعي الحديث عن إعداد المعلم وتزويده بالمهارات المطلوبة التي تؤهله لأن يتبوأ هذه المكانة ويلتحق بهذه المهنة العظيمة، ومن ثمّ الحديث عن قيادة هذه الوزارة والإشراف على العملية التربوية بشكلٍ شامل.
سوف يبقى الحديث عن مسيرة الإصلاح الشامل ضرباً من العبث إذا لم ندرك جميعاً أنّ عملية الإصلاح منظومة متكاملة من المسارات، وشبكة متصلة من الحلقات، أولها وأهمّها حلقة التربية والتعليم، التي عمادها المعلم الذي ينبغي أن يتمتع بمستوى معيشي جيد يليق بمهنته العظيمة، ويحظى بتقدير اجتماعي متميز، ينعكس على حسن أدائه لمهنته وعمق انتمائه لوطنه.
وزارة التربية والتعليم تحتاج إلى عملية إسعاف مستعجل تتمثل بضرورة مضاعفة موازنتها المالية، ومضاعفة دخل المعلم، وتأمين سكن ملائم لكل مدرس، وإعادة النظر في مناهجها، وتطهير الوزارة من المتطفلين على المهنة، و"تعشيب" الحقل التربوي من كل "العاهات" والأمراض وأصحاب الإساءات وأصحاب الضمائر المترهلة والمروءات المخرومة، ومعاقبة مرتكبي الإساءة وعزلهم لا ترقيتهم.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
لكن الإساءة إلى المعلمين أكبر جريمة وأعظم جناية؛ لأنّ مهنة التعليم من أشرف المهن وأعظمها فائدة ومصلحة لبني البشر، وهل هناك عمل أكثر فائدة من نشر العلم وإزالة الجهل وتعليم الناس الخير، ولذلك توارثت الأمم عرف احترام المعلّم في كل العصور والأزمان، وفي كل البلدان وعند كل الشعوب، والأصل كلما تقدمت الحضارات والمدنيات يزداد احترام المعلم ويرتفع مستوى تقديره، لأنّ ذلك من صميم احترام العلم والعلماء ويعبّر عن احترام الأمّة لذاتها.
عندما تهبط مستويات التعامل مع المعلم، وتهبط منزلة التعليم في المجتمع، وتصبح مهنة التعليم محلاً للسخرية والازدراء، وتقلّ هيبة المعلم في المجتمع فهذا مؤشر خطير على مرض مجتمعي كبير يؤذن بالخراب والانهيار، ويؤذن بمستقبل قاتم بلا مبالغة أو تهويل، ويكون المؤشر أكثر خطورة عندما تصدر الإساءة من كبار رجال التربية والمشرفين على العملية التعليمية برمّتها.
فقد أساء وزير تربية أسبق إلى جمهور المعلمين، عندما تجمعوا من أجل المطالبة بتأسيس نقابة لهم تحفظ حقوقهم وتسهم في رفع مستوى مهنة التعليم، واليوم يخرج علينا أحد مدراء التربية والتعليم ليصف المعلمين العاملين لديه بأنّهم "همل" عندما تجمّعوا للوقوف في وجه الإساءات المتكررة إليهم، فهذه ظاهرة غريبة وعجيبة تستحق أعلى درجات الاستهجان والاستنكار المجتمعي، لكونها صادرة ممّن يتبوأ موقعاً تربوياً عظيماً أو يفترض به أن يكون كذلك.
هذه الجناية تؤكد خللاً منهجياً عظيماً في طريقة اختيار المسؤولين وفي طريقة الترفيع والترقية بوجهٍ عام، وعلى صعيد القيادات التربوية بوجه خاص، فالأصل أن لا يصل إلى هذه المواقع إلاّ من استطاع أن يجمع بين قوة التخصص وجمال الخلق وطول التجربة وتراكم النجاح، إضافة إلى التمتع بالحس التربوي المرهف والانتماء العميق إلى المهنة والقدرة على إدراك سموّ مكانتها واحترام منظومة قيمها بسلوك أصيل بلا تكلف أو تملق.
الحديث عن المعلم والمعلمين ذو شجون، لأنّه يتفرع من الحديث الطويل عن مهنة التعليم برمّتها وعن مهمّة إعداد الأجيال وبنائها، وعن مهمّة صياغة مستقبل البلد كلّه، ما يستدعي الحديث عن المناهج التعليمية والتربوية وقدرتها على تحقيق هذه الأهداف العظيمة، كما يستدعي الحديث عن إعداد المعلم وتزويده بالمهارات المطلوبة التي تؤهله لأن يتبوأ هذه المكانة ويلتحق بهذه المهنة العظيمة، ومن ثمّ الحديث عن قيادة هذه الوزارة والإشراف على العملية التربوية بشكلٍ شامل.
سوف يبقى الحديث عن مسيرة الإصلاح الشامل ضرباً من العبث إذا لم ندرك جميعاً أنّ عملية الإصلاح منظومة متكاملة من المسارات، وشبكة متصلة من الحلقات، أولها وأهمّها حلقة التربية والتعليم، التي عمادها المعلم الذي ينبغي أن يتمتع بمستوى معيشي جيد يليق بمهنته العظيمة، ويحظى بتقدير اجتماعي متميز، ينعكس على حسن أدائه لمهنته وعمق انتمائه لوطنه.
وزارة التربية والتعليم تحتاج إلى عملية إسعاف مستعجل تتمثل بضرورة مضاعفة موازنتها المالية، ومضاعفة دخل المعلم، وتأمين سكن ملائم لكل مدرس، وإعادة النظر في مناهجها، وتطهير الوزارة من المتطفلين على المهنة، و"تعشيب" الحقل التربوي من كل "العاهات" والأمراض وأصحاب الإساءات وأصحاب الضمائر المترهلة والمروءات المخرومة، ومعاقبة مرتكبي الإساءة وعزلهم لا ترقيتهم.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)