jo24_banner
jo24_banner

اللاجئون في الأردن بين البعدين الوطني والإنساني

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : مسألة استقبال المهجّرين من الأقطار العربية على الأرض الأردنية تخضع لمجموعة معايير مهمّة، وعلى درجة عالية من الحساسيّة، ينبغي أن تؤخذ في الحسبان جميعاً وبطريقة موزونة، بحيث لا يطغى جانب على آخر، ولا يجوز تغليب الجوانب العاطفية على حساب التقدير الحكيم للإمكانات والقدرات المتوافرة للتعامل مع مخرجات الحدث بكفاءة.

تدفق موجات المهجرين من الأشقاء السّوريين خلال عامين على تفجر ثورة الشعب السوري ضد نظامه الحاكم إلى الأردن يفوق التوقعات، ويفوق قدرات الدولة، بحيث أصبحت الأوضاع أقرب إلى الكارثة الإنسانية التي تستحق موقفاً عربياً واسعاً، وكذلك موقفاً إسلاميّاً وعالميّاً جدياً، يوازي مستوى التفاقم المرعب للمشكلة المروّعة.

ابتداءً من حيث البعد الإنساني والحس العروبي والأخوّة الإسلامية يتطلب التعامل المرن مع موجات اللاجئين، إذ لا يجوز إدارة الظهر، وتجاهل الأزمة الكبيرة، فهناك أطفال مروّعون ونساءٌ وكبار سنّ وجرحى ومطاردون وحياتهم في خطر، فهؤلاء يجب مساعدتهم وتقديم المأوى الآمن لهم، وإسعاف الجرحى والمصابين، بغض النظر عن الأسباب والعوامل، ودون بحث في أعماق المشكلة التي طال أمدها بفعل فاعل وتواطؤ حقيقي يظهر لكل مراقب ولكلّ ذي بصيرة.

مع ذلك، فالأردن يمتلك قدرة محدودة على تحمّل جزء من هذا العبء الذي يكفي لإرهاق دول كبرى وغنيّة ومقتدرة، وبناءً على ذلك فلا بدّ من إدارة التعامل مع هذه الأزمة ومخرجاتها وفقاً لمقتضيات العقل والواقع؛ لأنّ استقبال "نصف مليون" إنسان ليس أمراً سهلاً ولا ميسوراً على دولة بحجم الأردن إذا تمّت مقارنتها بـ "تركيا" أو "السعودية" ودول الخليج الأخرى، ممّا يحتمّ على العرب اتخاذ موقف جماعي مدروس لتوزيع هذا الحمل وإدارة هذا الملف بشكل حضاري مقبول.

فالخطوة الأولى تقتضي من جامعة الدول العربية اتخاذ موقف عربي موّحد لمعالجة الملف الإنساني المتعلق فقط بإدارة تجمّع اللاجئين، ليس على سبيل التبرعات وأسلوب إدارة الجمعيات التطوعية في مجال الإغاثة، فهذه طريقة بدائية لا تستطيع أن ترتفع إلى مستوى الحدث، ولن تكون قادرة على الوفاء بمتطلبات الأزمة التي ما زالت تسير في منحنى متصاعد يحتاج إلى إدارة متفرغة تشترك فيها الدول العربية بأجهزة رسمية تحت رعاية منضبطة وموازنات كافية، قبل أن تتطور الأزمة إلى مستويات الكارثة التي تنال جميع الأطراف ابتداءً بالأردن.

الحكومة والجانب الرسمي يجب أن تطوّر أسلوب تعاملها مع الأزمة إلى ذلك المنهج الجمعي الذي تشترك فيه كل الدول العربية أو أغلبها من خلال لجنة جماعية مشتركة تضم الأردن والسعودية والإمارات وقطر والجزائر والمغرب، ويجب تخصيص موازنة كافية تسهم فيها الدول العربية والإسلامية ودول العالم الأخرى، وبإشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وينبغي أن ينتقل التعامل مع الملف من طريقة الاستثمار المشبوه لتجار الحروب والأزمات، كما كان يتمّ في الحروب الإقليمية السابقة، إلى الطريقة المدروسة والمنضبطة بمعيار القدرة والإمكانات المتوافرة.

الأردن ليس أرضاً مستباحة، يجري التعامل معها كأرض فارغة لحل الأزمات الإقليمية، على حساب شعبها وسكانها، ولا يجوز استخدام البعد القومي والحس الإنساني كغطاء دائم لتمرير المؤامرات الإقليمية والمخططات المشبوهة، فالشعب الأردني مستعد أن يتحمل من الأعباء ما تتحمله الشعوب العربية الأخرى وبطريقة منضبطة مدروسة قائمة على اعتبار الإمكانات المتاحة والظروف القائمة، فلماذا لا تتحمّل الدول العربية الأخرى جزءاً من إدارة العبء الإنساني لهذه الأزمة المستفحلة.

الحكومة معنية بتوضيح كامل وواف للشعب الأردني للرؤية المتبعة في هذا المجال حتى يكون شريكاً واعياً للحكومة، من أجل التعاون في حلّ هذه المشكلة، وامتلاك القدرة على إدارة هذا الملف، دون إلحاق الأذى بالشعب والدولة، ومن أجل تخفيف آثار الكارثة علينا جميعاً.

a.gharaybeh@alarabalyawm.net


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير