jo24_banner
jo24_banner

البرازيل وتجربة النهوض المعاصر

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : العالم مليء بالتجارب الناجحة التي تستحق الدراسة المعمقة والتوقف المليء بالاعتبار والتفهم من بعض الشعوب والمجتمعات والدول التي ما زالت تعيش الفشل المجنّح، وتعيش الفقر والبطالة، وما زالت تخضع لنمط الحكم الاستبدادي الممزوج بالفساد الممنهج، ونحن العرب أحوج الناس إلى البحث عن هذه التجارب وأخذ العظة والدرس من أجل بلورة طريقنا نحو النهوض من هذه الكبوة التي طال أمدها.
البرازيل تمثل تجربة فذة خلال العقدين الأخيرين، إذ استطاعت أن تسطر نجاحاً ملحوظاً على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والعلمية بحيث أصبحت تصنّف على أنها تحتل موقع ثامن اقتصاد عالمي من حيث القوة والاستقرار، وأصبحت عضواً نشطاً في مجموعة العشرين العالمية، في ظل الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الاقتصاديات الغربية العظمى.
كانت البرازيل في الثمانينيات غارقة في الدين واتساع مساحة الفقر وانتشار الجريمة، وكانت البرازيل تصنف على أنها الدولة التي تحتل المكانة الأولى في حجم الديون على مستوى العالم، وكان ناتجها المحلي لا يكفي لسداد ديونها الخارجية، وكانت خزينتها العامة خاوية، وكانت بلداً طارداً لرؤوس الأموال، ومعدلات النمو في السالب، لتصبح اليوم مصنفة بأنها سادس أكبر احتياطي في العالم من العملات الأجنبية، وارتفعت معدلات النمو لتزيد على 5%، وأصبحت بيئة جاذبة للاستثمار ورؤوس الأموال وذلك لارتفاع مؤشر الثقة بقوة اقتصادها واستقراره.
البرازيل استطاعت أن تخوض تجربة سياسية مميزة بعد أن عاد الجيش إلى ثكناته العسكرية، للسماح للتجربة الديمقراطية الحقيقية أن تشق طريقها صعداً نحو تمكين الشعب البرازيلي من اختيار الحكومات والمفاضلة بين البرامج السياسية، وفقاً لقانون انتخابي متوازن يحاول أن يمزج بين معايير التمثيل النسبي ومعايير النظام الفيدرالي، بحيث يتم إعطاء الولايات الصغيرة والبعيدة وزناً انتخابياً مختلفاً عن الولايات ذات الثقل السكاني والاقتصادي التي يبدو من حيث الظاهر أنها نسبة غير عادلة، فالنائب الواحد من ولاية "ساوباولو" يمثل حوالي (570.000) مواطن، بينما النائب من ولاية "رورايما" يمثل حوالي (50.000) مواطن، وذلك من أجل رفع مستوى حضور الولايات الصغيرة والبعيدة في عملية صنع القرار وفي تحقيق معدلات مرتفعة في نسب المشاركة الشعبية، ومن أجل وضع حد للتباين في النفوذ بين الولايات الكبرى ذات الثقل السكاني والاقتصادي، وبين الولايات الصغيرة والمهمشة. كما يؤدي الى إجبار الأحزاب الكبيرة والفاعلة على التوجّه نحو هذه الولايات وانشاء مراكز إدارية نشطة فيها والقيام بدور تنموي شامل من أجل الحصول على حصة مجزية من المقاعد البرلمانية.
هذه التجربة أدت الى إعادة توزيع الثروة على الجغرافيا بشكل سليم وعادل، كما تمت إعادة رسم خريطة النفوذ والتأثير السياسي بعد أن كانت محصورة في العاصمة وبعض الولايات المحدودة، مما ساعد على إيجاد فرص عمل جديدة في الأطراف وأسهم اسهاماً فاعلاً في محاربة الفقر، كما افسح الفرصة لهذه المناطق لتخريج قادة وشخصيات سياسية من طراز رفيع.
تتألف الهيئة التشريعية في البرازيل من مجلسين؛ مجلس الشيوخ ويتألف من (81) عضواً بواقع (3) أعضاء لكل ولاية بغض النظر عن الحجم السكاني، ومجلس النواب يتألف من (513) عضواً موزعين وفقاً للفلسفة التي تقضي بزيادة حضور الولايات الصغيرة والبعيدة في العملية السياسية.
عدد سكان البرازيل يصل الى (200) مليون نسمة، ولكن هذا العدد الكبير تحول الى ثروة بشرية في عملية التنمية الشاملة، ولم يعد السكان عبئاً كما هو في الاقتصاديات العاجزة.
الأردن بحاجة الى الاستفادة من التجربة البرازيلية، وخاصة في تجربة قانون الانتخاب بالإضافة الى بقية المجالات الأخرى.العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير