jo24_banner
jo24_banner

مفهوم البيعة وحقيقته

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : البيعة مصطلح عربي إسلامي مشتق من كلمة "باع" وهي الذراع واليد، ومنه اشتقاق "البيع" وهو عقد بين طرفين على نقل ملكية شيء، وكان تقليد المصافحة –وضع اليد باليد– كناية عن اتفاق ­­­الإرادتين، وكناية عن الرضا وإتمام انعقاد العقد وكذلك البيعة كانت تتم بالمصافحة.
والبيعة هي تقليد سياسي يعبر عن انعقاد الولاية للحاكم فهي عبارة عن اتفاق بين طرفين بين الشعب من جهة وبين الحاكم من الجهة الأخرى يرتب حقوقاً وواجبات متبادلة بين الطرفين، وهو يعبّر عن الاختيار بالإرادة الحرة والرضا الجمعي الذي يخلو من الإكراه ومن كل العيوب التي تشوب حرّية الإرادة.
عندما تعتمد بعض الحركات الإسلامية نظام البيعة، فهو من باب الحرص على إظهار التقاليد والأعراف الإسلامية ذات المضمون والمفهوم الواضح الذي ترسخ عبر القرون، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن تكون هذه "البيعة" الخاصة بديلاً للبيعة العامة التي تكون للخليفة وإمام المسلمين العام. ولا تقوم مقامها، ولا تأخذ أحكامها بكل تأكيد حتى لو تشابهت العبارات.
البيعة عند الحركات الإسلامية هي عبارة عن عقد وقسم "يمين" يخصهم، بوجوب الالتزام الطوعي بأنظمتها وقوانينها، مثل بقية الأحزاب السياسية التي توجب الالتزام على أعضائها بما لديها من قوانين وأنظمة تماماً، ولا يحمل هذا المصطلح أية دلالة تعبدية أو شعائرية، وإنما هناك مجموعة اجتهدت اجتهاداً خاصاً من أجل إيجاد عمل جماعي مشترك يهدف إلى خدمة الإسلام وخدمة الأوطان وخدمة الأمة، ولا بد لهذا العمل من إطار تنظيمي له أعرافه وتقاليده وأنظمته وطريقته في العمل الجماعي المنظم.
البيعة الخاصة ملزّمة ضمن النظام والقانون المعتمد، بشكل طوعي قائم على إرادة حرة، ولا تتعدى البيعة هذا الإطار الخاص، بمعنى أنها ليست مقيدة لحرية الفرد ولا تسلبه إرادته المطلقة في العمل والخدمة في كل مناحي الحياة، أي أنها لا تتعارض مع الالتزام بعقد آخر مع نقابة من النقابات، ولا تتعارض مع الالتزام بعقد مع الدولة أو مؤسساتها المختلفة، كما لا تتعارض مع الانطلاق في الحياة ومزاولة كل الأنشطة الحياتية الواسعة بكل معانيها وامتداداتها.
البيعة عند الحركات الإسلامية هي قسم على الالتزام بخدمة الإسلام والالتزام بأحكامه، وقسم على خدمة الوطن والأمة، والسمع والطاعة لقيادتها في حدود الإسلام بشكل عام، وفي حدود نظامها بشكل خاص بشرط أن يكون ذلك بما لا يتعارض مع الإسلام وشرائعه القاطعة ولا يتعارض مع منطق العقل ولا مقتضيات الحرية.
ومن هنا فإن الطاعة في مفهوم البيعة العامة للإمام تكون مشروطة بطاعة الله ورسوله ولذلك فالتقليد المشتق من حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم– يعتبر قيداً على الطاعة عندما قال:((إنما الطاعة بالمعروف)) والمعروف كلمة عامة تشمل كل معاني الخير الذي يحددها الشرع والعقل، مقابل كلمة المنكر التي تشمل السوء والشر التي يحددها الشرع والعقل أيضاً.
البيعة الخاصة لا تمنع حرية الفرد بممارسة العمل والمهنة والانطلاق في الحياة، ولا تمنعه من التفكير الحر ولا تمنعه من انتقاد المخطئ، سواء أكان الخطأ من قادة الحركة أو من قادة الدولة على درجة سواء.
الحركات الإسلامية في الأصل تحمل عبء تحرير الناس وتحرير البشرية الذي جاء من أجله الإسلام مصداقاً لكلمة عمر: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، كما تحمل عبء تفعيل الأفراد وإطلاق إرادتهم المكبّلة، وأن تفك عنهم القيود والأغلال، التي أرهقتهم، ومنعت انطلاقتهم الفاعلة في خدمة وطنهم وأمتهم وأنفسهم، وليس من المعقول أن تكون البيعة الخاصة قيداً اضافياً على إرادتهم يحد من جرأتهم على قول الحق ومحاربة الفساد والفاسدين ويقلل من فاعليتهم في العمل والخدمة والإعمار والإنجاز والإنتاج الواسع المثمر في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة بلا استثناء.
هناك أفهام خاطئة يجري تداولها بشأن مصطلح البيعة ومفهومه من بعض خصوم الحركات الإسلامية ويجري استغلاله بطريقة مشينة، وفي الوقت نفسه هناك خطأ في الفهم لدى بعض الإسلاميين وبعض المنتسبين للحركات الأسلامية، ويجري التعسف العميق في استعمال السلطة القائمة على هذا المفهوم من بعض أصحاب المسؤولية فيها.
ومن هنا يقتضي تصحيح هذا المفهوم لدى عامة الناس ويقتضي وقف التعسف في استعمال الحق، والتعسف في استعمال السلطة، المرتبطة بمفهوم البيعة وما تستوجبه من سمع وطاعة داخل أطر الحركات الإسلامية.العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير