«أمن إسرائيل».. تعريف كاذب وحقائق دامغة
من الطبيعي أن تسعى جميع دول العالم ذات النشأة الطبيعية لامتلاك أمنها الخاص بها ، ومن حقها أيضا أن تضع المفهوم الأمني الذي يناسبها، هذه مسألة جدلية لا نناقش فيها بصرف النظر عن التعاريف والمعاني والترجمات المختلفة التي قد ينحو نحوها العنوان الأمني الخاص بهذه الدولة أو تلك، ما نريد تسليط الأضواء عليه في هذه السطور يتعلق بالكيان الصهيوني وتعرية تعريفه الإجرامي والكاذب للأمن.
وحتى نبني على أساسات واضحة تخدم الفكرة التي يسعى هذا المقال للوصول إليها، فمن الضروري التأكيد على أن ما قلناه في السطور الأولى لا علاقة له من قريب ولا من بعيد بكل ما قد يتعلق بعنوان «أمن إسرائيل» من زاوية التعريف والمفهوم، حيث إن الأمور هنا تنقلب رأسا على عقب، وتختلف بشكل كلي مع كل ما يسود ويطبق على سطح هذه البسيطة من سياسات أمنية، فهذا الكيان المصطنع سعى ولا يزال نحو امتلاك حالة من التمايز الفريد من نوعه على صعيد أمنه الداخلي والخارجي؛ لأنه يشكل بالنسبة له الشرط الأول والأخير لمواصلة البقاء على قيد الحياة فالأمن في «إسرائيل» أهم من الماء والهواء!
وعلى الرغم مما امتلكته «إسرائيل» ذاتيا على صعيد هاجسها وتخوفها الأمني الذي تستخدمه كحجة تغطي بها على الجوهر الإجرامي لكل سياساتها ومواقفها، فإنها وجدت في السياسات والمواقف الأمريكية والأوروبية على وجه الخصوص تبنيا كاملا وغير محدود لكل ما تحتاجه وتتمناه أمنيا، فالرئيس الحالي أوباما ألقى خطابا في صيف عام 2006 وقبل أن يفوز بولايته الأولى بعامين جاء فيه: «لا يخطرنّ ببال أحد أن أمريكا ستقف موقفا ألطف من موقف جورج بوش عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، ولا يتوهمنّ أحد بأنه سيجد في ظل رئاستي أي موقف أقل صلابة اتجاه أمن إسرائيل»، وبذلك يكون أوباما قد أظهر وأثبت أنه يمتلك جواز السفر المطلوب للعبور الآمن نحو كرسي الرئاسة.
وإذا ما تحدث الأمريكان والأوروبيون رسميا عن «أمن إسرائيل» فهم يقصدون بذلك أمن الاحتلال، والاستيطان، وتوفير المجال الحيوي المطلوب لحماية وتغطية كل الجرائم التي قد يرتكبها هذا الكيان الصهيوني داخل فلسطين المحتلة وخارجها، بل هم مستعدون وبسبب انحيازهم الأعمى للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أو من يفكر بالقيام بأي أعمال قد تلحق الأذى والضرر بهذا الأمن.
إن «أمن إسرائيل» يظل واحداً من الأهداف الإسراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات الأمريكية، ديمقراطية كانت أو جمهورية، وحكومات أوروبا كانت تلحق بهذه الرعاية وهي صاغرة، وتنفذ ما هو مطلوب منها بلا أي مناقشة أو اعتراض، في الوقت الذي ما نزال كعرب ومسلمين نلهث ونجري وراء تفاصيل صغيرة عابرة وتحاليل فارغة لخطبة هذا الرئيس الأمريكي أو لذاك المسؤول الأوروبي، ونتناسى أن كل ما يطرح في خطاباتهم ما هو إلا مجرد فهم وتطبيق والتزام مرحلي لاحتياجات هذه الإستراتيجية العامة.
إن الأمريكيين ورؤساءهم ومن ورائهم غالبية الأوروبيين وعلى اختلاف مذاهبهم ومشاربهم لا يتفقون على شيء كاتفاقهم على المشروع الصهيوني وأمنه الذي يشربونه مع حليب أمهاتهم ثقافيا، وتاريخيا، وتربويا، وإعلاميا، ودينيا، ومثلا أخلاقيا أعلى في كل ما قد يتعلق بفكرة «إسرائيل» التاريخية، ولذلك نجد المؤرخ الأمريكي «كونراد شيري» يروي ويقول: «إن تاريخ أمريكا هو القناعة الراسخة بأن الأمريكيين هم الإسرائيليون فعلا، وشعب الله المختار حقا».
أما الفيلسوف «ريتشارد بويكين» الإنجليزي فيقول في كتابه الذي يحمل عنوان «المواجهة بين عصر العقل وعصر الرؤيا»: «إن الإنكليز على طرف المحيط أكثر حماسة من اليهود لتأسيس الدولة اليهودية وبناء معبد سليمان، وإن صهيونيتهم هي التي صنعت الحركة الصهيونية اليهودية وانتشلتها من هامشيتها، وغذتها بالقوة وبالسلاح، وبالتدمير المنهجي للعالم الإسلامي والعربي، وإذا كان اليهود يريدون أرض إسرائيل، فإن الإنكليز يريدون أرض إسرائيل وإسماعيل وإبراهيم».
الرئيس أوباما الذي يزور المنطقة الشهر الجاري يعلم قبل غيره أن لا شيء البتة سيتغير على زمن ولايته الثانية إلا ما يتعلق بأمن الكيان الصهيوني وحمايته، وبصرف النظر عن كل ما يمكن أن تحمله خطاباته وتصريحاته من فبركه إعلامية، فهل ستدرك سلطة رام الله التي تستعد لاستقباله هذه الحقيقة؟ وهل ستفيق الأنظمة العربية من سباتها وخنوعها؟ وخصوصا تلك التي جاءت بفعل الربيع العربي وما أحدثه من تغيير، وهل صحيح أنها ما تزال لا تعرف عن العروبة إلا لبس العباءة، ومن الإسلام إلا باب النكاح، أنتفاءل أم نتشاءم؟.
نحن على يقين أن المجرم نتنياهو في تل الربيع يعرف جيداً ماذا يريد «للأمن الإسرائيلي»، ويعرف اكثر كل السبل المناسبة التي يجب عليه أن يسلكها لقطف الثمار الضرورية من وراء هذه الزيارة، أما نحن وكما جرت العادة، فالصقر، والسيف، والعباءة، والقلادة، وفوقها نفطنا وغازنا كلها جاهزة لتقديمها للضيف الكبير وبعد أن يأخذ منا كل التطمينات اللازمة والضرورية التي تضمن بقاء الأمن الصهيوني بخير وفي أحسن حال.
(السبيل)