jo24_banner
jo24_banner

الدين والحريات الشخصية

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : المفهوم الصحيح للدين ينبع من حقيقة الهدف الجوهري الذي جاء من أجله، والذي يتمثل بتحقيق السعادة الغامرة للمجتمع الإنساني على الصعيد الفردي وعلى الصعيد العائلي والأسري وعلى الصعيد المجتمعي، بشكل واقعي محسوس، على الصعيد النفسي والفكري والمادي.
من هنا، فإني أحمل هذا الدين من أجل أن أشعر بالسعادة، ومن أجل العمل على إدخال السعادة إلى نفوس الآخرين، وأعتقد جازماً بلا أدنى ذرة من شك أن الله يريدني أن أكون سعيداً. وأن لا أكون شقياً، وذلك ببساطة لقوله تعالى: ((طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)) فالله عز وجل ما أنزل دينه وما بعث الرّسل والرسالات إلاّ من أجل تخليص الناس من الشقاء والبؤس، والظلم والظلام والشعور بالقهر .
أولى خطوات السعادة أن يكون الانسان حرّاً، لأنه لا سعادة مع العبودية بكل صنوفها وأشكالها ، وأولى درجات الحرية، حرية الفكر والعقل، ومن ثم حرية الإرادة، التي تجعل الإنسان منطلقاً في تفكيره، ومنطلقاً في الكون والحياة، إعماراً وتحضراً وإنجازاً وإبداعاً، ولذلك تم التصريح بالقرآن أنه جاء ليحرر الناس من الاستعباد وليفك عنهم القيود والأغلال، التي تسلبهم إرادتهم وتمتهن آدميتهم وتهدد كرامتهم .
لقد تحول الدين عند بعضهم إلى مصدر شقاء ومصدر بؤس وتعاسة لأنفسهم ولغيرهم، وأصبح الدين عند بعضهم قيداً على الحرية وقيداً على الإرادة، ومزيداً من الأغلال التي تثقل كاهل البشرية، وذلك بسبب الجهل بحقيقة هذا الدين والجهل بغاياته وأهدافه والجهل بروحه ومقاصده الحقيقية، وفلسفته الجوهرية القائمة على مفهوم السعادة الكاملة بكل معانيها ودرجاتها .
الدين يريد من الإنسان أن يتمتع بمباهج الحياة وزينتها ويريد للإنسان أن يتمتع بطيبات العيش، وأن يبلغ أعلى مستويات التكريم، دون ظلم و دون اعتداء على ممتلكات الآخرين ودون قهر ودون تعسف ودون تمييز. ((قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)).
بمعنى آخر، يريد الدين السعادة القائمة على العمل والكسب المشروع والمحكومة بالعدالة ومنظومة القيم التي تمنع الشر، وتكبح الانزلاق إلى الفوضى التي تعكر صفو الحياة وتعطل أمن المجموعة، مما يقلل منسوب السعادة في المجتمع.
وبناءً على ما سبق فإن التخوف على الحريات الشخصية في ظل سيادة القيم الدينية يعود إلى عدة عوامل:
العامل الأول: يتجلى بالمفهوم القاصر للدين وفلسفته ومقاصده حيث يكون مصحوباً بمفهوم القهر والكبت ومصادرة الإرادة، والتسلط على عقول الناس وأفكارهم والتسلط على حياتهم الخاصة والعامة.
العامل الثاني: يتجلى بالأخطاء والتصرفات التي تصدر من بعض أصحاب النفوذ والسلطة التي يتم تغليفها بالدين، ويتم تبريرها بمعاني التدين.
ولذلك فإن الضمانة الحقيقية تأتي من خلال تمليك المجتمع للمفهوم الصحيح للدين وتعميم ثقافة الفهم الصحيح لمقاصد الإسلام العامة بعيداً عن منطق الوصاية على الدين من أية فئة أو جماعة أو هيئة أو حزب، لأن القاعدة الكبرى في هذا المجال أن الأمة بمجموعها هي صاحبة الوصاية العامة على حمل هذا الدين وحفظه، وهي التي توكل من تشاء بإدارة شؤونها، وفقاً لمصدر المشروعية المأخوذ من توافق الأمة وتفويضها والذي يحتاج إلى تنظيم ودسترة، وأول هذه القواعد والأصول ضمان حريات الناس الفكرية والدينية والشخصيّة المستنبطة من الآية العظيمة ((لا إكراه في الدين)). فلا يجوز استخدام الإكراه لفرض الدين، ولا يجوز استخدام الدين لتسويغ الإكراه في المقابل.العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير