مسابقة عجيبة وغريبة
لقد تم طرح مسابقة مطبوعة على "بوستر" ملون تم توزيعه عبر صحيفة يومية أردنية، تحت عنوان "المسابقة المدرسية المقدسية الخامسة"، هذه المسابقة مطروحة للطلاب من أجل تحقيق هدف التذكير بالقدس والأقصى وتعليق قلوب الناشئة بهذه المدينة المقدسة، فهذا أمر جميل ومحمود، ولكن ما يلفت الانتباه ويثير الدهشة في اللوحة المرسومة ويدعو الى الغرابة تلك الرموز التي تم حشدها في الصورة !
اللوحة تحتوي صورة شخص يلبس "حطة" حمراء ويطلق عليه كنية "أبو راكان" تجسيداً للشخصية الأردنية، كما تم رسم "منسف" و"قنوة" و"شماغ" أحمر بجانب صورة القدس والمسجد الأقصى، فلا أدري حشد هذه الرموز بالتحديد هل كان مقصوداً ؟ وإذا كان كذلك فما هو الهدف المحدد من هذه الرموز على وجه الدقة ؟!
ألم يجد القائمون على المسابقة سوى هذه الرموز الوطنية التي تعبر عن شخصية المواطن الأردني، وهل "المنسف" و"القنوة" و"الشماغ" هي التي تحدد معالم الشخصية الأردنية فعلاً، وهل الشخصية الأردنية مقتصرة على هذه الرموز الحضارية الفذة !!
أعتقد أنه اختيار غير موفق، بل يحمل من دلالات الإساءة أكثر مما يحمل من دلالات الاحترام والتقدير، ويحمل قدراً كبيراً من الاستخفاف الممزوج بالتحقير، لأنه يؤدي الى تشويه صورة الشخصية الأردنية، وابرازها بصورة كاريكاتورية سخيفة وجوفاء وسطحية وأنه شخصية أكولة وعنيفة ومتخلفة !!
هناك رموز حضارية متعددة، ومعالم وطنية كثيرة، فالأرض الأردنية مليئة بالآثار التاريخية العريقة سواء كانت قبل الإسلام أو بعده، فهناك آثار رومانية وبيزنطية، وآثار عربية نبطية قديمة مثل البتراء ووادي رم، وهناك قصور أموية في غاية الروعة والفن والجمال، وهناك قلاع أيوبية شامخة ومساجد مملوكية، بالإضافة الى معالم أردنية حديثة تمتاز بطراز معماري فريد، هذا عدا عن المناظر الطبيعية الجميلة من ربوع خضراء وسهول مليئة بكل أنواع الورود والأشجار، والشلالات والمياه العذبة المتدفقة في الشمال والجنوب، وغير ذلك الكثير.
أعتقد أن القائمين على هذه المسابقة قد خانهم ذكاؤهم، وخذلتهم ثقافتهم، ووقعوا أسرى لنكتة غير مقبولة، وتلحق ضرراً بالناشئة، فبدلاً من فتح أذهان الطلاب والجيل الجديد على فهم حقيقة الأردن وقدسية أرضها وعراقة تاريخها،ومعالم الشخصية الاردنية التي تمتاز بالجدية وحب العلم , والكرم والتسامح , والرجولة والشهامة, والتدين والروح العروبية والنخوة , والتفاني في خدمة الضيف , واغاثة الملهوف , يتجه فتح أذهان الناشئة على معان سطحية مسيئة تتمثل بأدوات الضرب وأنواع الأكل والطعام !!
كان الأولى بالقائمين على هذه المسابقة أن يخبروا العالم بأن الأردن بوابه الفتوحات الاسلامية، وأرضها تضم رفات (24) ألف صحابي و(48) ألف عين اكتحلت برؤية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أرضها يقيم أمين هذه الأمة الصحابي العظيم و القائد الفذ و أحد المبشرين بالجنة (أبو عبيدة عامر بين الجراح) والى جواره ضرار بن الأزور وعكرمة ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الرحمن بن عوف، وعلى أرضها مقام النبي شعيب، ويوشع بن نون، وهود، وهارون، وأهل الكهف، كما شهدت أرض الأردن أهم المعارك الخالدة التي سطرها تاريخ الاسلام العظيم،وتعطر ترابها بدم الشهداء مثل معركة مؤته ومعركة اليرموك، ومرج الصفر، وطبقة فحل، فهذا زيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة، وجعفر بن أبي طالب قادة شهداء الأمة وخيرهم بجوار الكرك الشماء.
هل عجز القائمون على المسابقة المقدسية عن ايجاد رموز وطنية سامية وراقية مشتقة من هذا التاريخ وتحمل معاني القداسة , وتفيض بعبق المجد , وروح الحضارة ,و تمثل الاردن والأردنين بصورة لائقة وحقيقية سوى "المنسف" و"القنوة" !! (العرب اليوم)
a.gharaybeh@alarabalyawm.net