ضحالة سياسة أضرّت بالشعب السوري
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : انبثق فجر الاحتجاجات السلميّة في بلدان العالم العربي على اثر ليل الاستبداد والفساد الطويل الذي كرّسته أنظمة قمعية جاءت الى سدة الحكم بالقوة والعنف والانقلابات العسكرية وعبر طرق اغتصاب السلطة رغم أنف الشعوب، وقفزوا الى كرسي الحكم خلسة من الجماهير المسحوقة التي كانت وما زالت تعاني من الفقر والتخلف والأمية المصحوب بالقمع وتكريس سياسات النهب والسلب والتسلط على الناس وأموالهم.
بدأت هذه الثورات بالاحتجاجات السلميّة، البعيدة عن العنف والفوضى، وكان الشعار السائد "سلميّة، سلميّة" وهكذا كانت البداية في سورية، وكانت المطالبات تتركز على الحريّة والكرامة والديمقراطية، ولكن المسيرة تغيرت وتحولت الى العنف الدموي، وأمست الشوارع والأزقة عبارة عن أنهار من الدماء، وينبغي في هذا المقام عدم انكار دهاء النظام الحاكم في فرض نوع المواجهة ولونها وشكلها، ونجح في استجلاب العناصر المتطرفة عبر الحدود، بما يملكه من خبرة طويلة تكونت لديه عبر حرب العراق، فقد كانت الحدود السورية هي منطقة عبور المنظمات والعناصر الجهادية من كل حدب وصوب.
مقابل دهاء النظام في هذا المجال نجد ضحالة سياسية لدى بعض الأطراف التي انخرطت في سلك المقاومة، وتم تتويج هذه الضحالة بإعلان الاتحاد بين جبهة النصرة في سورية وبين تنظيم القاعدة في العراق واعلان البيعة لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، فهذا تصرف سياسي يخلو من أدنى درجات النظر والحكمة السياسية، فضلاً عن الشبهة الكبيرة التي تحيط بهذا التصرف من كل أطرافه، وخلوّه من أي أثر ايجابي يعود على الشعب السوري وثورته المسلّحة.
المستفيد الوحيد من هذا التصرف هو النظام بكل تأكيد، لأن هذا الاعلان يثبت مقولته التي كان يكررها قبل مجيء هذه العناصر الى سورية عندما كان يصف المعارضة بالإرهاب، مما يعطيه الشرعية في استخدام العنف المفرط أمام كل الأطراف وأمام الرأي العام العالمي المعبأ ضد الارهاب وضد القاعدة على وجه الخصوص وضد ما يطلقون عليه :"التطرف والأصولية الإسلاميّة"!، خاصة في ظل اعلان كثير من الدول اعتبار "جبهة النصرة" حركة ارهابية مما يؤدي الى تبرير فرض الحظر على توصيل الأسلحة للمعارضة السورية للحيلولة دون وقوعها بأيدي المتطرفين والارهابيين، وخاصة الأسلحة الحديثة.
هذا الاعلان الصريح والخطير من جبهة النصرة يدل دلالة واضحة على احد امرين:
الامر الاول يتمثل بعدم ادراك المعادلة السياسية القائمة من هؤلاء المقاتلين, وعدم ادراك استراتيجية النظام التي اتبعها منذ اللحظة الاولى, وعدم القدرة على التعامل مع معطيات الواقع المحلي والواقع الاقليمي والعالمي, وفقدان أدنى درجات الدهاء السياسي في إدارة الجانب السياسي في المعركة, وعندما يتم إهمال الجانب السياسي على هذا النحو فسوف يؤدي الى عدم امتلاك القدرة على استثمار الجهود العسكرية المبذوله والعجز عن قطف ثمرة التضحيات الكبيرة التي تم تقديمها حتى هذه اللحظة.
الامر الثاني يدل على اختراق كبير وواضح في هذه المجموعات المقاتلة التي تخلو من أصابع واضحة لأجهزة الاستخبارات الايرانية والسورية, التي اشرفت على اعداد عناصر كثيرة من المنظمات المقاتلة وتسليحها منذ بدء الحرب العراقية . وهنا يجب التذكير بان كثيرا من العناصر المقاتلة التي كانت تعمل على الساحة العراقية خلال الفترة السابقة جرى استخدامها عن طريق ايران وعن طريق سورية، ومعظم الأسلحة التي كانت بأيديهم كانت أسلحة ايرانية، وقد كشفت بعض التحقيقات حول حوادث تفجير بعض الحسينيات العراقية وفي أماكن الحج الشيعية، كانت متفجرات إيرانية، وجرى إخفاء النتائج، وتم الاكتفاء بتعليقها على شماعة "القاعدة".
كان ينبغي لمن يريد الجهاد والقتال لنصرة الشعب السوري أن يتم ذلك احتسابا لوجه الله، بعيداً عن الإعلان والضجيج الاعلامي ابتداء ويجب ثانيا أن يتم ذلك بالتنسيق مع المعارضة السورية حصراً وتحت اشرافهم، فهم أصحاب الأرض وهم أصحاب السيادة وهم أصحاب القرار، ولا يصح مطلقاً أن تستقل اي جهة خارجية حتى لو كانت صادقة باتخاذ مثل هذه المواقف واصدار مثل هذه الاعلانات التي تلحق الضرر بالشعب السوري ومستقبل ثورته وتقدم هدية ثمينة للنظام بلا مقابل ودون حساب للعواقب كما ينبغي ان يترك المجال السياسي والاعلامي للسياسيين فقط.
وفي هذا السياق على قيادة الثورة السورية أن تكون حاسمة في منع هذه التصريحات وأن تضع حدًا لهذا العبث وهذه التصرفات الرعناء، وكل من يريد المساعدة يجب أن يكون عن طريق القيادة الموّحدة الشرعية للثوار على سبيل الحصر القاطع الذي لا يحتمل التردد ولا التهاون لحظة واحدة. (العرب اليوم)
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
بدأت هذه الثورات بالاحتجاجات السلميّة، البعيدة عن العنف والفوضى، وكان الشعار السائد "سلميّة، سلميّة" وهكذا كانت البداية في سورية، وكانت المطالبات تتركز على الحريّة والكرامة والديمقراطية، ولكن المسيرة تغيرت وتحولت الى العنف الدموي، وأمست الشوارع والأزقة عبارة عن أنهار من الدماء، وينبغي في هذا المقام عدم انكار دهاء النظام الحاكم في فرض نوع المواجهة ولونها وشكلها، ونجح في استجلاب العناصر المتطرفة عبر الحدود، بما يملكه من خبرة طويلة تكونت لديه عبر حرب العراق، فقد كانت الحدود السورية هي منطقة عبور المنظمات والعناصر الجهادية من كل حدب وصوب.
مقابل دهاء النظام في هذا المجال نجد ضحالة سياسية لدى بعض الأطراف التي انخرطت في سلك المقاومة، وتم تتويج هذه الضحالة بإعلان الاتحاد بين جبهة النصرة في سورية وبين تنظيم القاعدة في العراق واعلان البيعة لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، فهذا تصرف سياسي يخلو من أدنى درجات النظر والحكمة السياسية، فضلاً عن الشبهة الكبيرة التي تحيط بهذا التصرف من كل أطرافه، وخلوّه من أي أثر ايجابي يعود على الشعب السوري وثورته المسلّحة.
المستفيد الوحيد من هذا التصرف هو النظام بكل تأكيد، لأن هذا الاعلان يثبت مقولته التي كان يكررها قبل مجيء هذه العناصر الى سورية عندما كان يصف المعارضة بالإرهاب، مما يعطيه الشرعية في استخدام العنف المفرط أمام كل الأطراف وأمام الرأي العام العالمي المعبأ ضد الارهاب وضد القاعدة على وجه الخصوص وضد ما يطلقون عليه :"التطرف والأصولية الإسلاميّة"!، خاصة في ظل اعلان كثير من الدول اعتبار "جبهة النصرة" حركة ارهابية مما يؤدي الى تبرير فرض الحظر على توصيل الأسلحة للمعارضة السورية للحيلولة دون وقوعها بأيدي المتطرفين والارهابيين، وخاصة الأسلحة الحديثة.
هذا الاعلان الصريح والخطير من جبهة النصرة يدل دلالة واضحة على احد امرين:
الامر الاول يتمثل بعدم ادراك المعادلة السياسية القائمة من هؤلاء المقاتلين, وعدم ادراك استراتيجية النظام التي اتبعها منذ اللحظة الاولى, وعدم القدرة على التعامل مع معطيات الواقع المحلي والواقع الاقليمي والعالمي, وفقدان أدنى درجات الدهاء السياسي في إدارة الجانب السياسي في المعركة, وعندما يتم إهمال الجانب السياسي على هذا النحو فسوف يؤدي الى عدم امتلاك القدرة على استثمار الجهود العسكرية المبذوله والعجز عن قطف ثمرة التضحيات الكبيرة التي تم تقديمها حتى هذه اللحظة.
الامر الثاني يدل على اختراق كبير وواضح في هذه المجموعات المقاتلة التي تخلو من أصابع واضحة لأجهزة الاستخبارات الايرانية والسورية, التي اشرفت على اعداد عناصر كثيرة من المنظمات المقاتلة وتسليحها منذ بدء الحرب العراقية . وهنا يجب التذكير بان كثيرا من العناصر المقاتلة التي كانت تعمل على الساحة العراقية خلال الفترة السابقة جرى استخدامها عن طريق ايران وعن طريق سورية، ومعظم الأسلحة التي كانت بأيديهم كانت أسلحة ايرانية، وقد كشفت بعض التحقيقات حول حوادث تفجير بعض الحسينيات العراقية وفي أماكن الحج الشيعية، كانت متفجرات إيرانية، وجرى إخفاء النتائج، وتم الاكتفاء بتعليقها على شماعة "القاعدة".
كان ينبغي لمن يريد الجهاد والقتال لنصرة الشعب السوري أن يتم ذلك احتسابا لوجه الله، بعيداً عن الإعلان والضجيج الاعلامي ابتداء ويجب ثانيا أن يتم ذلك بالتنسيق مع المعارضة السورية حصراً وتحت اشرافهم، فهم أصحاب الأرض وهم أصحاب السيادة وهم أصحاب القرار، ولا يصح مطلقاً أن تستقل اي جهة خارجية حتى لو كانت صادقة باتخاذ مثل هذه المواقف واصدار مثل هذه الاعلانات التي تلحق الضرر بالشعب السوري ومستقبل ثورته وتقدم هدية ثمينة للنظام بلا مقابل ودون حساب للعواقب كما ينبغي ان يترك المجال السياسي والاعلامي للسياسيين فقط.
وفي هذا السياق على قيادة الثورة السورية أن تكون حاسمة في منع هذه التصريحات وأن تضع حدًا لهذا العبث وهذه التصرفات الرعناء، وكل من يريد المساعدة يجب أن يكون عن طريق القيادة الموّحدة الشرعية للثوار على سبيل الحصر القاطع الذي لا يحتمل التردد ولا التهاون لحظة واحدة. (العرب اليوم)
a.gharaybeh@alarabalyawm.net