معارضة بأكثر من نكهة
مبدئيا، توجد لدينا معارضة سياسية ما تزال في الشارع، تتمثل في الحركة الإسلامية والحراك الشبابي اللذين ما يزالان يعتقدان أن الإصلاح المتحقق غير كاف وغير جاد؛ بل هو منقوص غير مكتمل.
ويمضي هذا الفريق بعمله في نقد سياسات الحكومات والمجالس النيابية، طالما أنه غير راض عنها. وهو ما يزال مصراً على البقاء خارج اللعبة السياسية؛ فلم يشارك في الحكومات ولا في المجالس النيابية.
ثمة نوع آخر من المعارضة، خلقته الخلافات الشخصية مع رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور. وهي معارضة موجودة اليوم تحت قبة البرلمان، يعبر عنها التيار المحافظ تقليديا، ويمثله نواب طالما أمطرونا بأفكار محافظة، ومرروا تشريعات غير إصلاحية.
أما اللون الثالث من المعارضة، فيعبر عنه التيار الإصلاحي في مجلس النواب الذي لا يرى أن بإمكان حكومة النسور تطبيق الإصلاح المنشود على مختلف الصعد. إذ يعتقد هذا الفريق أن الحكومة غير مؤهلة لإدارة المرحلة، لأنها لم تقدم برنامجا متكاملا يتلاءم ومتطلبات الظرف الصعب الذي تحياه البلاد.
فوق كل ما سبق، هناك معارضة شعبية، تعكسها حالة عدم رضا شرائح واسعة من المجتمع عن كل المعالجات الرسمية للملفات الملحّة التي تشغل الرأي العام، ومنها التشغيل، والفقر، والمستوى المعيشي، والفساد، وغيرها من القضايا التي أسهم الفشل الحكومي على صعيد معالجتها في توسيع فجوة الثقة بين الشعبي والرسمي.
كل هذه الأشكال المتمايزة، بل والمتناقضة أحياناً، من المعارضة، تقف اليوم لحكومة النسور بالمرصاد. ويمكن لبعضها أن يتوحد، فيشكل ضغطا إضافيا على الرئيس وفريقه.
والمعارضة المحافظة، على سبيل المثال، ونظرا لقواعدها المناطقية، يبدو من السهل عليها تحريض الشارع ضد الحكومة باستخدام القضايا الحياتية. فمثلا، توجّه الحكومة لزيادة أسعار الكهرباء، يشكل فرصة ثمينة لهذه المعارضة للتحريض ضد الحكومة، باعتبارها حكومة ليبرالية وحكومة محاصصة، وأجندتها غير وطنية، وغير ذلك من الأوصاف التي تلقى رواجا شعبيا. وفي ظل المعطيات القائمة، سيكون سهلا على هذه الفئة "المعارِضة" اللعب بهذه الورقة لتأليب الرأي العام ضد النسور.
هذا التعدد والتنوع في أشكال المعارضة، ربما يتشكل لأول مرة في وجه حكومة أردنية؛ ما يعني أن على النسور العمل على أكثر من جبهة، خصوصا أن معظم القاعدة النيابية للنسور في مجلس النواب، والتي ساعدته على تجاوز امتحان الثقة، هي من النواب الجدد الذين لا يمتلكون في غالبيتهم خطاً واضحا بعد. لكن هؤلاء أمامهم فرصة لتشكيل مواقف خلال الفترة المقبلة، ما يعني إمكانية خسارتهم، كونهم لا يشكلون قاعدة متينة يمكن الاتكاء عليها.
كرة المعارضة تتدحرج وتكبر. وثمة معطيات تساعد على تسريع الفكرة وتضخيمها، أهمها الأجندة الاقتصادية للحكومة، التي تقوم على قرارات صعبة لن تعجب الناس أبدا.
أما المعارضة الإسلامية والحراكية، فأمامها مساران: إما متابعة ومراقبة ما يحدث بين الحكومة والنوع الطارئ من المعارضين، وهذا كاف؛ وإما العمل على تعميق أزمة الحكومة، بأن تبدأ هذه المعارضة بتنفيذ برنامج جديد مناوئ للحكومة وخططها تطبقه في الميدان، ليشكل عامل ضغط إضافيا بتحريض الشارع ضد النسور وفريقه.
جبهات المعارضة كثيرة ومتعددة، والعمل على كل الجبهات سيكون مرهقا للرئيس وحكومته، والتحضير لمواجهة كل هذه الجبهات يحتاج إلى برنامج عميق يمكّن النسور من الثبات والصمود، خصوصا أن خصومه ومعارضيه سيلجأون إلى استخدام جميع أنواع الأسلحة؛ بما فيها المحرمة، في حربهم ضده. (الغد)