طلاسم التعديل الثالث.. ما الذي يريده الرزاز؟ .. عن الدلالات والمعاني
جو 24 :
أحمد الحراسيس - أجرى رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، الخميس، تعديله الوزاري الثالث خلال أقلّ من عام، وقد جاء التعديل بشكل غير مفهوم كما العادة، حيث دخل أشخاص إلى الحكومة وخرج آخرون دون أن يعرف أحدنا لماذا دخل فلان أو خرج علان، وهو النهج الذي سار عليه أسلاف الرزاز جميعا، مع فارق أن أحدا من أسلاف الرجل لم يبشرنا بعقد اجتماعي جديد يقوم على الشفافية والمكاشفة والاعتماد على مؤشرات أداء من أجل الحكم على بقاء وزير من عدمه..
لقد قام الرزاز اليوم بتكريس نمطية اختيار الوزراء، لا بل أثبت أنه يعيش خارج الزمن ومنفصل عن الواقع تماما، وكشف حجم استخفافه بعقول الأردنيين الذين ظنّوا أن الرئيس سيعتدل بعد كلّ الاعوجاج والعوار الذي كشفه الدوار الرابع خلال عام مضى، فقام بتغييرات شكلية على أسماء بعض الوزارات دون احداث أي تغيير جوهري! وكأن مشكلتنا أصبحت في أسماء الوزارات فقط!
وبالاضافة إلى كون هذه التعديلات شكلية ولم تتعدّ القشور، فقد جاءت أيضا مخالفة للقانون؛ فلا يجوز أن يتمّ تعديل اسم الوزارة دون تعديل بعض القوانين، فمثلا قانون البلديات لا يعترف بـ "وزارة الادارة المحلية" وينصّ في المادة (2) منه على أن الوزارة هي وزارة الشؤون البلدية، وكذلك وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي أصبحت بقدرة قادر "وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة"..
كما يُكرّس تعيين نضال البطاينة وزيرا للعمل الانطباع القائم لدى كثير من المواطنين بأن خيارات الرزاز قائمة على معايير غير مهنية ولا موضوعية، فالبطاينة الذي نزل بالباراشوت قبل ثلاثة أشهر على ديوان الخدمة المدنية قفز فجأة إلى كرسي وزارة العمل، رغم أننا لم نلمس أو نشعر بشيء استثنائي فعله الرجل خلال الأشهر الثلاثة الماضية!
يجب على الرزاز أن يكشف للأردنيين سرّ وزارة تطوير الأداء المؤسسي التي جرى الغاؤها قبل أربعة أشهر فقط، ونُقلت وزيرتها مجد شويكة إلى السياحة، وقالت الحكومة إنها لا تحتاجها، قبل أن يعود الرئيس اليوم وينقلب على نفسه ويعيّن ياسرة غوشة وزيرة لهذه الوزارة.
نريد أن نعرف حلّ لغزِ عودة سلامة حماد إلى وزارة الداخلية، فقد كان الرجل أحد أبرز عناصر التأزيم في حكومة هاني الملقي قبل أن يحتشد وينتفض مجلس النواب الحالي ضده إثر فشل أجهزة الأمن التابعة له في أحداث قلعة الكرك الارهابية نهاية عام 2016، هل المقصود هو ارسال رسالة تحدّي إلى مجلس النواب؟ أم أن اعادته مرتبطة بالتحضير للانتخابات النيابية القادمة وامكانية تكرار ما حدث في البادية الوسطى من سرقة لصناديق الاقتراع في عهد حماد نفسه؟!
كيف نفهم اقالة وزير الصحة الدكتور غازي الزبن رغم البيان المشترك وغير المسبوق الذي أصدرته النقابات الصحية ودعت فيه الرزاز للاحتفاظ بهذا الوزير، ورغم حملات التأييد -العفوية- التي لمسناها من قبل موظفي وزارة الصحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ الاعلان عن التعديل الوزاري؟ وما هي الرسالة التي يريد الرئيس ايصالها لأعضاء فريقه الوزاري من خلال اخراج أحد أكثر الوزراء نشاطا وفاعلية خلال السنوات الماضية؟! نريد أن نعرف لماذا خرج الزبن وبقي الغرايبة؟ وعلى أي أساس قرر الرزاز الاحتفاظ برجائي المعشر وجمانة غنيمات الذين اختلف معهما الرئيس في فترة من الفترات؟ لما جرى استبعاد سمير مبيضين وسمير مراد والابقاء على وليد المصري؟ ولما تخلّى الرئيس عن ماري قعوار وتمسّك بهالة زواتي؟!
ثمّ ما سرّ الديوان الملكي الذي أصبح خلال العقدين الأخيرين مؤسسة لتفريخ الوزراء، ما هي انجازات محمد العسعس ليأتي وزيرا بحقيبتين بحجم "التخطيط، والشؤون الاقتصادية"؟! هل هذا مؤشر على أن الديوان الملكي هو الجهة التي تُسيّر الاقتصاد الأردني المتهالك؟! ولماذا يكون وزير التخطيط مرتبطا بالديوان الملكي؟! ولماذا يستحدث الرزاز وزارة لشؤون رئاسة الوزراء؟! ألم يكن سامي الداوود يقوم بالمهام الموكولة إليه وهو "أمين عام الرئاسة"؟!
جرت العادة أن يكون التعديل الوزاري بهدف تخلص رؤساء الحكومات من وزراء لهم خلافات مع الرئيس أو أعضاء الفريق، أو لرغبة الرئيس باحداث تعديل في النهج وأولويات الحكومة، أو زيادة قوة الجانب السياسي في الحكومة على الاقتصادي، أو حتى تطوير الأداء بشكل، لكن تعديل الرزاز الثالث جاء دون هوية، فلا هو عزز الجانب الاقتصادي، ولا هو زاد الثقل السياسي للحكومة، ولا الأسماء القادمة حققت انجازات استثنائية ويريد الرزاز تكرار تلك الانجازات.
الواقع أن الرئيس لن يتمكن من المضيّ قدما بالمركب، بل إنه أشبه بمن يُفخخ نفسه عبر الاحتفاظ بالمعشر وعناصر التأزيم الأخرى واعادة توزير حماد.. ولا نعرف كيف يمكن لنا أن نواجه صفقة القرن وما يُحاك ضدنا من مؤامرات في ظلّ هذه الحكومات الكرتونية وغير واضحة المعالم..