أرباح طائلة على حساب المواطن الفقير!
زهير العزة
جو 24 :
والبلاد تعيش على فالق ساخن من الغضب ، نتيجة للسياسات المتعاقبة التي قامت بها الحكومات وأجهزتها ومؤسساتها تجاه الوطن والمواطن، يخرج علينا من حين الى اخر، من يطالب الانسان الاردني بالولاء لهذه الحكومة او تلك، انطلاقا من أن هذه الحكومة وهذه المؤسسات تمثل ارادة الشعب الذي اعطاها الثقة من خلال نوابه الذين وصلوا الى القبة البرلمانية بأصوات الشعب كما يقولون .
وبغض النظرعن الطريقة التي وصل بها بعض أو غالبية النواب إلى القبة البرلمانية، وبغض النظر عن حقيقة الأدوار التي قاموا بها بانحيازهم الى الحكومات، على حساب الشعب ،فان ما يشعر به المواطن اليوم من غضب تجاه تراكم الازمات ، التي ولدتها هذه الحكومة وسياساتها وسياسة البنك المركزي ، الذي يبدو أنه "فاتح على حسابه الخاص "الاشغال المالية ، يرتفع فوق اكثر من احتمالية لثورة بركان، في اي وقت وبخلاف توقعات علماء "الرصد " من الاصوات المجندة لتهدئة الشارع الغاضب .
واذا كانت الحكومة لا تستمع الى عذابات غالبية الشعب المقهور انطلاقا من مقولة " لا اسمع ، لا ارى ، ولا اشم " ،فانها ايضا لا تستمع الى اصوات واراء الخبراء الذين حذروا ويحذرون من سياسات البنك المركزي، التي ارهقت الاقتصاد الاردني وخاصة في مجال رفع اسعار الفائدة على القروض، بحيث لم يعد يتوفر لدى التجار او الصناعيين الرغبة بالحصول على قروض، ما ادى الى تراكم الاموال لدى البنوك ، دون الاستفاده منها في مجال ضخ الاموال في السوق لتحريك عجلة الاقتصاد.
والعلم الاقتصادي الذي يقول ان البنك المركزي يقوم برفع سعر الفائدة على القروض عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد (زيادة أسعار السلع والخدمات) وبالتالي يعمل المركزي على جعل سعر الأموال مرتفعا او كما يقال "غالياً "فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال، ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك ، فينخفض التضخم ،بالمقابل يقوم البنك المركزي بخفض الفائدة في حال شعر ان البلاد تعيش حالة من الركود فيزيد الاقتراض وبالتالي الإنفاق الاستهلاكي وينتعش الاقتصاد فيخرج من الركود.
البنك المركزي الارني بقيادة زياد فريز وتحت رعاية الحكومة قام خلال الاعوام الماضية بعكس ما يقول به العلم الاقتصادي برفع سعر الفائدة تحت حجج واهية لا تقنع اي مختص او مراقب ،حيث قال محافظ البنك المركزي زياد فريز ، "ان البنك كان مضطرا لكل الاجراءات التي اتخذها بخصوص اسعار الفائدة وذلك لحماية الاقتصاد الوطني من التحديات الاقتصادية جراء ظروف المنطقة غير المستقرة"، ولكن الحقيقة هو ان ما قام به فريزمن خلال رفع اسعار الفائدة ادى الى :
اولاً : ان البنوك الاردنية زادت من اسعارالفائدة على المقترضين القدامى والجدد، ما ادى الى تحقيقها اربحا طائلة، على حساب المواطن المقترض ، وهذا بعكس ما يجري في كل دول العالم، حيث ان الزيادة على اسعار الفائدة لا تشمل القروض القديمة بل تطبق على القروض الجديدة فقط اي منذ رفع اسعار الفائدة الجديدة .
ثانيا : ارتفعت تكاليف القرض على المقترضين من ابناء الطبقة الوسطى ان وجدت والفقراء وغالبيتهم من موظفي الحكومة او القطاع الخاص ، اما التجار فايضا يتأثرون، ولكنهم يرفعون اسعار السلع التي يبيعونها لتعويض رفع سعر الفائدة ، وهذا في كثير من الاحيان يؤدي الى ركود اقتصادي في البلاد.
ثالثا : إن ارتفاع أسعار الفائدة شكل حافزاً لزيادة الودائع المحلية لدى البنوك وارتفاع معدلات الادخار مما يعني عدم توظيف هذه الأموال في أي مشاريع استثمارية وبالتالي وضع البلاد في ازمة اقتصادية عميقة ، حيث ان اصحاب رؤوس الأموال لايقومون بالاستثمار في مشاريع انتاجية بل يبعدونها عن أي مخاطر قد تواجههم حيث يحصلون على عوائد من البنوك تزيد عن أي ارباح قد يحققها اي مشروع استثماري ، فالعوائد المتوقعة من الإستثمار في قطاع ما قد تصل من 3% الى 4%بينما تمنح البنوك فوائد تصل إلى 10%.
رابعا : أن إرتفاع أسعار الفائدة أدى إلى صعوبات في منح القروض للصناعيين والتجار والمقاولين والمزارعين ولطبقة الموظفين، والمستفيد هم الحكومة التي تزيد ودائعها المحلية ، وكبار مالكي اسهم البنوك ، ورؤوس الاموال الذين يقرضون الحكومة بفوائد مرتفعة وهي افضل من عوائد العمل الصناعي اوالزراعي.
والواقع ان مثل هذه السياسة "الخرقاء" والتي ثبت فشلها وعملت على ادخال الاقتصاد الوطني في غرفة العناية الحثيثة "كما قال احد رؤساء الحكومات السابقين"، قد ادت الى ارتفاع بالودائع المحلية لدى المركزي ،ما يؤشر الى خطورة الوضع من حيث استمرار الركود الاقتصادي بفعل فقد الاسواق للسيولة ، فالاموال الموجودة بالمركزي بدلاً من أن تستثمر يتم الاحتفاظ بها كودائع مضمونة الارباح.
إن عدم وجود رقابة من قبل البنك المركزي على البنوك ، لمنعها من التغول على المقترضين، وخاصة اصحاب القروض القديمة، والذين استدانوا بسعر فائدة ساري عند منح القرض، جعل البنوك تحقق ارباحاً اضافية عن هذه القروض من جهة ومن جهة اخرى ادت الى ارتفاع نسبة الدين الى دخول المقترضين وتزيد النسبة على ال 70% بحسب تقرير الاستقرار المالاي الصادر عن البنك المركزي .
المواطن الذي يقف عاجزاً امام فشل السياسات الحكومية التي كان يجب ان توفر له الحماية ، يقع اليوم تحت تغول مؤسسات القطاع الخاص عليه ، فهو عاجز امام تغول البنوك على قرضه والتلاعب فيه بحسب ما يريد هذا البنك او ذاك، وهو يتعرض للغبن من بعض الشركات، وهو يسأل عن من يقف وراء شركة "اي فواتيركم"، وهو يتعرض للغبن من شركات المياه ، او من المستشفيات ومن بائع طماع او تاجر جشع او من شركة سيارات يغش صاحبها الزبائن، او من رب عمل لا يحلل او يحرم.
باختصار المواطن بفضل السياسات الحكومية المتعاقبة مرفوع الغطاء عنه ، بحيث اصبحت كل الخناجر توجه الى ظهره العاري ،فهل بعد هذا يمكن أن يسأل احدهم عن الولاء والانتماء ، ثم أليس من الواجب على احد ما في هذه الدولة ان يسأل ماذا يمكن ان نقول لمواطن في مكان ما ، ماهي الدولة التي نتحدث عنها طالما ان كل ما تقوم به اجهزة الدولة هو خدمة لبعض التجار الكبار والبنوك والسماسرة واصحاب النفوذ، نعم عن أي دولة تتحدثون... وأي انتماء تريدون ..؟