jo24_banner
jo24_banner

الاستثناءات أخطر أنواع الفساد

علي سعادة
جو 24 :
كتب علي سعادة - كان قرر مجلس الوزراء برئاسة الدكتور عمر الرزاز بخصوص التقاعد المدني مثل من يقرأ الشطر الأول من بيت الشعر (الصدر) ويترك الشطر الثاني (العجز)، أو مثل من يقرأ جزء من الآية الكريمة ويترك الجزء الثاني المكمل للمعنى وللحكم الشرعي.

في صيغته ونصه حمل قرار الحكومة توجها ناضجا وعاقلا في التخلص من نظام التقاعد المدني المنهك للموازنة، لكن في التطبيق سيتحول إلى  قرار انتقائي مفرغ من مضمونه يفتح بابا للاستثناءات التي تشكل مقتلا للنزاهة والشفافية.

دعونا نعود إلى القرار الذي سيحيل الموظفين الخاضعين للتقاعد المدني الذين بلغت خدماتهم (30) سنة فأكثر على التقاعد قبل نهاية دوام الثلاثين من حزيران الحالي مع تمتعهم بمزايا أقرتها الحكومة.

وجاء في القرار أيضا  بأنه يحق للموظفين الخاضعين للتقاعد المدني والذين اكملوا خدمة (25) سنة فأكثر للذكور و(20) سنة خدمة فأكثر للإناث ولم يكملوا العمر المحدد للإحالة على التقاعد وجوبيا (60) عاما، الحصول على ذات المزايا التي تم اقرارها من قبل الحكومة في حال التقدم بطلب للإحالة على التقاعد (طواعية) قبل تاريخ الأول من أيلول المقبل.

الحكومة بررت قراراها بأنه يهدف إلى ترشيق الجهاز الحكومي واتاحة الفرصة للشباب في الخدمة العامة تماشيا مع استراتيجية متكاملة تأخذ في الحسبان الواقع الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعنا الشاب والفتي، وضرورة ضخ دماء جديدة وشابة في القطاع العام. بحسب تصريحات وزير العمل رئيس مجلس الخدمة المدنية نضال فيصل البطاينة.

الحكومة لم تترك "عرضها" أو " إغراءاتها" مفتوحة وإنما حددت مدة لإغلاق موسم "العروض" وهو أن يقوم الوزير المختص برفع تنسيباته  قبل منتصف الشهر المقبل  بإحالة كل موظف من الموظفين الخاضعين للتقاعد المدني (30) سنة فأكثر على التقاعد وبالتالي حصول المتقاعدين على المزايا الواردة في قرار الحكومة.

وما لبثت الحكومة بعد فقرتين فقط من "عرضها " أن وضعت مليون علامة سؤال واستفهام واستهجان حول الهدف الحقيقي من قراراها، فقد أوضح وزير العمل بأن للوزير المختص وبناء على "الحاجة الفعلية والمبررة" أن ينسب بالاحتفاظ بنسبة محددة من جميع شرائح الموظفين التي شملها قرار مجلس الوزراء شريطة موافقة مجلس الوزراء على تنسيب الوزير (المبرر)، على أن يستفيد هؤلاء الموظفين من المزايا الممنوحة بموجب هذا القرار بمجرد إحالتهم على التقاعد ، وفي جميع الأحول يجب أن لا تستمر خدمات هذه الفئة المحتفظ بها لمدة تزيد عن (3) سنوات .

وما يفهم من هذا الاستثناء "غير المبرر" أنه  لن يخرج من الوظيفة  من يملك واسطة، أو كان له ظهر في أجهزة الدولة أو في مجلس النواب أو لدى أية جهة دولية أو ممولة، أو حظي برضا ومحبة وبصحبة أو كان من حاشية  الوزير المختص فهو سيبقى في مكانه لثلاث سنوات إضافية مع تمتعه ب"العرض" الوارد أعلا، يعني ثلاثة في واحد.

نفهم أن تتمسك الحكومات بالكفاءات النادرة حتى لو بلغ صاحبها من العمر عتيا، وبما أننا لا نملك وزارات مختصة بالخلايا الجذاعية وبالذكاء الصناعي والثقوب السوداء ولا يوجد لنا قمر صناعي في الفضاء، أو في صناعة طائرة درون، فإن الاستثاء هنا نوع من الفساد الإداري، وخرق للعدالة والمساواة التي كفلها الدستور، لأن احتفاظ أي وزير بأي شخص أمضى 30 عاما في الخدمة هو نوع من المحاباة وتفويت الفرصة على  موظف شاب أو شابة لأخذ مكانه وطرح أفكار جديدة تواكب العصر، ولا نعرف بالضبط ما هي الحاجة الفعلية لشخص أمضى 30 سنة في الخدمة في وزارات مثل "التربية " و"الصحة" أو "الزراعة" فثلاثين عاما  كافية له لتقديم أفضل ما عنده، وإذا كانت لديه كفاءات متميزة فإن بإمكانه تقديمها للقطاع الخاص أو عبر مشروع خاص به. 

نتمنى أن تبادر الحكومة إلى تصحيح تصريحات وزير العمل وتقوم بتطبيق قراراها على الجميع دون استثناءات أو محاباة أو محصاصة او أي شيىء من هذا القبيل إذا أرادت أن يحترم المواطن قرارتها ومواقفها وأن يوقف قصفها على مواقع التواصل الاجتماعي!
 
تابعو الأردن 24 على google news