jo24_banner
jo24_banner

عندما يشتعل الحريق..

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : عندما يشتعل الحريق لابد من العمل المشترك على إطفاء النار وإخماد اللهب، ولا بد من البحث عن كل أساليب التعاون المثمر بين كل الأطراف الفاعلة، والمكونات الاجتماعية والسياسية من أجل محاصرة الحريق ووقف تمدد ألسنة اللهب إلى بقية المساحات –إن لم تكن قد وصلتها بعد- عبر بذل الجهود الممكنة وتجميعها وتنسيقها.
عندما يشتعل الحريق لا ينفع تبادل اللوم وتقاذف الاتهامات، والوقوف موقف المتفرج ، فلحظة الاشتعال تتطلب فقه الظروف الطارئة، وفقه المبادرة، والقدرة على فهم اللحظات الاستثنائية، التي تحتاج إلى الشروع في الحل، وبدء العمل وبذل الجهد، لأن ذلك يكون من باب فقه الأولويات وترتيب الضرورات.
يجب الاعتراف بأن العنف الجامعي هو نتيجة مؤكدة لسياسات طويلة الأمد ولم تتوقف بعد، وهو ثمرة مرة لم تتم ، ويتم زرعه على مدار السنوات المتلاحقة، التي يتحمل مسؤوليتها كل الذين أسهموا في إدارة المراحل السابقة على جميع الأصعدة وفي كل المجالات؛ السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والإدارية، كل على قدر مسؤوليته ومستوى موقعه الإداري وبمقدار حجم تاثيره في القرار ورسم السياسات.
لقد تم بذل جهود حثيثة ومتوالية على عملية تفريغ الأجيال من الفكر والثقافة، ومنعهم من الاشتغال بالسياسة، وتم التخويف من العمل الجماعي، فأصبحت عاجزة عن فهم واقعها أولاً، وعاجزة عن التعامل الصحيح مع هذا الواقع، وغير قادرة على حمل الهم الوطني العام تالياً.
كما تم العبث بمعايير الفرز والاختيار القادرة على إيجاد الأقوى والأكثر كفاءة والأكثر علماً وحفظاً وأمانة، وأصبحت الشللية والمحسوبية والقرابة والنسب والجهة والمصلحة الشخصية هي المعايير السائدة، في كل المواقع الإدارية والعلمية والأكاديمية وفي كل مراتب المسؤولية العليا والدنيا، فظهر الفساد في البر والبحر بما فعل الكبراء وصمت الضعفاء وتواطؤ أصحاب المصالح واستجابة البسطاء والمغفلين.
لقد اختلت معاني الولاء للوطن والانتماء للأمة، وتم اختزالها بالولاء والانتماء للشخص والعشيرة والجهة، فظهر النفاق والزيف، وظهر فقه المديح والتبجيل، وانعدم الفعل وتضاءل الإنجاز، وعم الخراب والبوار.
وفي مقابل ذلك ظهر فقه العزلة واللامبالاة، واتقان لغة اللوم والتلاوم والنقد، وتضاءل فقه العمل والمشاركة والانخراط في ميدان الفعل، مما أسهم في تفريغ مواقع المسؤولية من أهل الخير وأصحاب الهم العام، وقلّ أثر الأقوياء الأمناء الأكفياء الذين ارتضوا بموقع المتفرج المتشفي، وهم لا يدرون أن الحريق عندما يشتعل يأكل الأخضر واليابس، ولا يبقي ولا يذر، وسوف يعم الضرر، وسوف ينال كل الأطراف بلا استثناء.
نحن بحاجة إلى فقه جديد وثقافة جديدة تنطلق من مفهوم أن هذه الدولة دولتنا، والشعب شعبنا، والمؤسسات كلها ملك الشعب، وأن أفراد الجيش والأجهزة الأمنية هم أبناؤنا، ونحن نعيش في سفينة واحدة ونسير في قارب واحد، فالخير لنا جميعاً، والضرر يعود علينا جميعاً.
فقه السفينة يحتم علينا الأخذ على يد الظالم والمخرب والعابث والجاهل، بالفعل الجاد والتعاون الإيجابي، والانخراط في عمليات البناء والإصلاح بالقول والعمل، والإنتماء العميق للوطن، والحرص على سلامة السفينة، ومنع خرقها، ومنع العبث في أي جزء من أجزائها، المفضي إلى غرق السفينة وغرق من فيها.
هذا الشعب مليء بأهل الخير، ويعج بالكفاءات والطاقات، التي تستحق الاستثمار والتشغيل ومد اليد، من أجل التعاون على حل المشكلات وتجاوز الأزمات، ولا يتم ذلك إلا بوجود النماذج السليمة، والأطر الوطنية الجامعة القادرة على جمع المخلصين الصادقين الذين يتوقون إلى خدمة أمتهم وحماية أوطانهم.العرب اليوم
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير