هــَدرُ أموالٍ ونسفُ حِصصٍ دراسية!
مع بدء المدارس التجهيز لاحتفالات تخرُّج طلبتها، وأمام التضارب الموجع بين الاحتياجات المعيشية المُلِحَّة لذوي الطلبة وضآلة إمكانياتهم المالية، فان أغلب مدارسنا ما زالت تصر على إقامة المراسم الضخمة المُكلِفة. كما وتُصِرُّ مدارس خاصةٌ عديدة ولِمُجرَّد قرب انتهاء السنة الدراسية على إقامة احتفالات مُكلِفَةٍ لطلبتِها حتى وإن كانوا في صفوف البستان والتمهيدي، يجيء هذا كله على نفقة ذويهم الذين يعانون في أغلبهم من ظروف اقتصادية صعبة!
هذا الوضع الذي نشهده كل عام، يُلزِم وليّ أمر الطالب بمصاريف إضافية. والطامة الكبرى عندما يكون محدود الدخل فيضطر- كي لا يكسر خاطر فلذة كبده أمام أقرانه الأغنياء - من قطع مخصصات معيشته ليدفع للمدرسة المبلغ الإلزاميَّ المقرر! وتُلْزِم إدارات بعض المدارس طلبتها بشراء بطاقاتٍ لاحتفالات العشاء والسَّمر والطرب التي تُقام في الفنادق أو الصالات أو المطاعم الفاخرة في يوم التخرُّج عينهِ، دون تقدير للوضع المالي لذوي طلبتهم الذين ليسوا كلهم من شريحة الأثرياء الذين تبني الإدارات حساباتها عليهم.. غير عابئة بالفقراء أو بأصحاب الدخل المتدني!
أما عن هدر وقت أعضاء في الهيئات التدريسية والطلبة للتجهيز والإعْداد لتلك الاحتفالات، حيث يجري تقسيم مهامِهم بأمر الإدارات لمتابعة سير العمل ومساعدة ومراقبة العاملين بالديكور والإنارة، وفي تركيب أجهزة البث والتسجيل والسمَّاعات وغير ذلك، إلى جانب متابعة تفصيل الملابس اللازمة لأداءِ مسرحياتٍ واستعراضاتٍ، وهدر الوقت الدراسي في تعليم الطلبة عليها ونسف حصصهم الدراسية من أجل إتقانها - وطباعة وعمل اليافطات، وشراء الدروع والهدايا، وتأمين العصير والقهوة والشوكولاته الفاخرة، وعقد الاتفاقيات الجانبية مع مصوري الفيديو والفوتوغراف - لِكسْبِ نسبةٍ مئويةٍ على كل صورة أو شريط فيديو- فهذا الأمور التي تغتصب الوقت المخصص للتدريس والدراسة، باتت وكأنها ليست محطّ نظر الجهات المعنية في الوزارة.
ومن المستغرب أن تقف الجهات المختصة موقف المتفرج إزاء قيام مدراء تلك المدارس بنسف حصص دراسية كاملة من أجل أن يُتقن الطلبة الدبكات والسَّحجات والغناء، حيث يعود الطلبة لمتابعة حصصهم الأخرى ورؤوسهم كالطبول لا تستوعب شيئاً.. ولا ننس التدرّب على المسرحيات وعمل "البروفات" تحت الشمس اللاَّهبة في آلية الترحيب بمن سيرعى الاحتفالات، وما يواكب ذلك من التكريم والتعظيم لمجالس الأمناء ولرؤساء الهيئات الإدارية نيلاً لِرضاهم.. بالإضافة إلى بعض الكوادر التدريسية المغمورين.. وبعض المدعوين الذين من ورائهم مصالح من خلال الكلمات الرنانة وإطلاق الخيال عن الإنجازات والطموحات ومستوى الطلبة وكفاءاتهم. والمصيبة أنه في كثير من الحالات وحال ظهور النتائج ولارتفاع نسبة المُخفقِين، يُخفي القائمون على تلك المدارس دموعهم بأيدٍ يسترون بها وجوههم مِن الخجل !
أما معاناة أولياء الأمور في نقل أبنائهم لامتداد فترات التدريب لِما بعد الدوام أو أيام العطل، فهذا أمر لا يشغل بال إدارات تلك المدارس! المهم بالنسبة لهم تبييض وجوهِهِم أمام الضيوف، وتسويق المدارس على أساس مكانة من سيقوم برعاية الاحتفالات.
وحين تهدر المدارس وقتاً على ما أسلفنا، أو لتنظيم وإقامة بازارات بمسمَّيات مختلفة لإضاعة الوقت الدراسي على أكتاف التمظهر بأنشطة أمام التربية ووسائل الإعلام، فإننا لا نعجب من تهافت الطلبة إلى المعاهد أو إلى المدرّسِين الخصوصيين. لكن مخطئ من يظن أن كل الآباء يعيشون في سَعة وبحبوحة وفي مقدورهم دفع ما تتطلبه هذه الدراسة، مع تقززنا من اصطلاحات تطلق في حال أية شكوى أو ملاحظة تصل للمدارس مثل: "إذا لم يرُق لك ذلك خذ ابنك - أو ابنتك- وابحث عن مدرسة أخرى ترضي ذوقك !"
ثمة ملاحظة نضعها أمام معالي الوزير أن مدارس خاصة في عمان أنشأت رياض أطفال تقوم برفض قبول طلبة للصف الدراسي الأول أو الانتقال إليه من مدرسة أخرى بذرائع واهية منها مثلاً"إخفاق الطفل بفحص القبول لِلُغاتٍ أخرى!!" أو لفظِهِ لحرفٍ على نحوٍ غير صحيح!! ولعل السر الكامن وراء ذلك لحجز مقاعد الصف الأول لخريجي رياضها.. وبذلك تضمن المدارس طلبة طيلة السنوات الدراسية المتتالية المقررة. إن مثل هذه التصرفات تدخل في حساب الاحتكار وتناقض حقاً من حقوق أبناء الأردن في اختيار المدارس التي تروق لهم في بلدهم! كما أن اتكاء تلك المدارس على بعض المسؤولين الذين درسوا على مقاعدها لا يعني غض البصر على مخالفاتها المتنوعة!