الباقورة والغمر.. هل صمنا ربع قرن لنفطر على شقّ تمرة؟!
جو 24 :
تامر خورما -
استعادة الغمر والباقورة تسجّل انتصارا هامّا، وربّما غير مسبوق، للدبلوماسيّة الأردنيّة، التي نجحت في اختراق معادلة سياسة الأمر الواقع، والتي طالما حاول الصهاينة فرضها، لتكريس سياساتهم التوسّعيّة.
بعد تحرير المواطنين هبة اللبدي وعبدالرحمن مرعي من براثن الإحتلال، استمرّت الجهود الرسميّة منصبّة على انتزاع الحقوق، وتحقيق المنجزات على أرض الواقع، مرغمة "اسرائيل" على التراجع، في ظلّ اتّسام العلاقات بين الطرفين بالفتور، منذ الإعلان عن صفقة القرن.
واليوم يأتي هذا الإنجاز ليفرض سيادة الأردن على أراضيه، عبر إنهاء العمل بالملحق المتّصل باتّفاقيّة وادي عربة، ووضع حدّ لعنتريّات اليمين الاسرائيلي المتطرّف، لتثبت الدبلوماسية الأردنيّة أنّها قادرة على فرض أوراقها في تلك المعركة السياسيّة.
ما تحقّق هو إنجاز وطني لا يمكن التقليل من أهميّته بأي شكل من الأشكال، وهو انتصار دبلوماسي أعاد الأرض إلى السيادة الأردنيّة، ولكن -مع الأسف- بعض التصريحات الرسميّة جاءت بمثابة غصّة تحول دون اكتمال الفرحة.
ماذا يعني الإقرار بملكيّة اسرائيليّين لأراض في المناطق المستعادة؟! وبأيّ حق حصل هؤلاء المستعمرون على صكوك الملكيّة التي يدّعونها؟!
أصل الحكاية يعود إلى مشروع روتنبرغ لإقامة محطّات توليد كهرباء في منطقة الباقورة، وذلك في عشرينيّات القرن الماضي، أي عندما كان الأردن لا يزال تحت الإنتداب البرييطاني.
ذلك المشروع، الذي تحقّق بموجب قرارات الإنتداب، والذي استمرّ العمل به إلى ما بعد نكبة فلسطين، لا يمنح اسرائيل حقّ ملكيّة أي من الأراضي التي تمّ الإعتراف دوليّا بأنّها أراضي أردنيّة، كما لا يحق للصهيوني بنحاس روتنبرغ، صاحب مشروع الكهرباء، توريث هذه الأراضي لا لدولة الإحتلال ولا لسكّانها المغتصبين.
فكيف تصرّح وزارة الخارجيّة بالإقرار بوجود ملكيّة لاسرائيليّين، في مواجهة الفرحة الوطنيّة والإحتفاء بعودة الغمر والباقورة إلى حضن الوطن؟!
الإقرار بمثل هذه الملكيّة يعني أن الأردن استعاد سيادته دون استعادة الأرض، ما يشكّل تجاوزا على الحق الأردني في أراضيه، خاصّة وأنّه لا يجوز استملاك الأراضي الحدوديّة وفقا لقانون الملكيّة العقاريّة الأردني.
ما حصل في الماضي هو أن الإحتلال تمكّن من الإنتفاع بهذه الأراضي، وإقامة مشاريعه عليها، فكيف تحوّل الأمر بقدر قادر إلى وجود ملكيّة فرديّة خاصّة تحول دون استعادة الأردن لأراضيه كاملة، وتجعل الحقّ الأردني مقتصرا على السيادة دون الملكيّة؟!
خمسة وعشرون سنة انتظرها الأردنيّون منذ توقيع اتفاقيّة وادي عربة لاستعادة أرضهم المغتصبة، ومن حقّ الشعب اليوم أن يفرح بانتصاره دون أي انتقاص من ما تمّ تحقيقه من مكتسبات.. السيادة لنا، ولكن هذا لا ينبغي أن يعني الاستغناء عن ملكيّة الأرض.
أضف إلى ذلك أن اسرائيل تنتهك كافّة القوانين الدوليّة والأعراف الإنسانيّة كلّ يوم وفي كلّ لحظة.. مازالت النكبة مستمرّة عبر الإعتداء على الأراضي والمزارعين في المناطق المحتلّة منذ العام 1948، بل وفي الضفّة الغربيّة أيضاً.
ولا ننسى أن هنالك الكثير من الأردنيّين لايزالون يمتلكون أراض زراعيّة وغير زراعيّة في الضفّة الغربيّة التي تمّ احتلالها وهي تحت السيادة الأردنيّة، أوليس الأجدى بأن يقرّ المحتلّ بملكيّة أردنيّين لتلك الأراضي المقامة غرب النهر؟ أوليس من حق الأردني أن يستثمر أرضه في الضفّة الغربيّة، ويقوم بزراعتها دون أيّة اعتداءات أو مضايقات من قبل الإحتلال؟!
عدد لا تمكن الإستهانة به من الأردنيّين مازالوا يحتفظون بصكوك الملكيّة وقواشين أراضيهم غرب النهر، فأين الإعتراف الاسرائيلي بملكيّتهم لتلك الأراضي؟ وكيف تخرج وزارة خارجيّة أمام هذه المعادلة بتصريحات تقرّ بوجود ملكيّة فرديّة لاسرائيليّين على الأراضي التي تمّت استعادتها شرق النهر؟!
كيف ومتى استملك اسرائيليون أراض في الباقورة والغمّر؟ من الذي قام ببيع تلك الأراضي لهم؟ وكيف وأين تمّت عمليّة البيع والشراء؟؟ كثير من الأسئلة ينبغي على وزارة الخارجيّة التفكير مليّا في تقديم إجابة لها، قبل التسرّع بإبداء مثل تلك التصريحات التي تحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح.
أمّا أن تصدر عن وزارة الخارجيّة تصريحات مقتضبة مجتزأة، تقرّ بوجود حالات ملكيّة فرديّة، يتمتّع بها اسرائيليون على أراضي أردنيّة، دون أي توضيح، وكأن المسألة أمرا مفروغا منه، فهو ما لا يمكن القبول به على الإطلاق.
هذه الأراضي خصّصت في الماضي لغرض معيّن، ينحصر في الإنتفاع وإقامة مشاريع محدّدة، ولا يحقّ لأحد "توريثها" للوكالة اليهوديّة أو لغيرها.. فكيف خلقت حقوق ملكيّة من العدم؟! هل يمكن لوزارة الخارجيّة إطلاع المواطن الأردني على تفاصيل "الصفقات"، التي تمّت بموجبها إحالة ملكيّة الأراضي لمستوطنين صهاينة؟! وأين هو النص القانوني الذي يستند إليه "الملاّك" المفترضون؟!
ممّا تمّت محاولة تسويقه أن هناك قوانين دوليّة تسمو على القوانين المحليّة، التي لا تجيز استملاك أراض على المناطق الحدوديّة، فهل يوجد نصّ في الاتّفاقيّات الموقّعة مع الجانب الاسرائيلي، يقرّ بوجود ملكيّة فرديّة لأراض أردنيّة، وفي حال وجود مثل هذا "السند" هلاّ أتحفتنا الحكومة بتفاصيل عمليّات البيع والشراء، ومن قام بإجرائها، وتحت أي مسوّغ، عوضا عن إلقاء تصريحات هلاميّة، تعتبر وجود مثل هذه الملكيّة المزعومة أمرا مقضيّا؟!
الباقورة والغمّر أراض أردنيّة.. السيادة أردنيّة، والأرض كذلك كانت ويجب أن تبقى أردنيّة، بصرف النظر عن مسوّغات الإحتلال الرعناء وغير المنطقيّة، وإذا كانت في جعبة وزارة الخارجيّة من "الأسرار" ما يناقض هذا، فعليها كشفه على الملأ.