عيد الاستقلال والكرامة الأردنية
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : يحتفل الاردنيون بعيد استقلالهم السابع والستين ، و يحق لهم أن يحتفلوا ويعبروا عن مكنونات الفرح و الحبور ، و الأمل بمستقبل مفعم بروح الاستقلال الحقيقي والكامل ،الذي يعزز مخزون الارادة الجمعية المتجهة نحو بناء الوطن، وبلورة الهوية الوطنية المستقلة التي تشكل محلا للفخر والاعتزاز ، والتي تتكامل مع الهوية القومية العربية ، و الانتماء العميق للمشروع الحضاري الاسلامي الكبير .
الاستقلال بمعناه الجوهري يتركز حول مفهوم الكرامة الادمية ،التي جعلها الخالق الكريم صنو الانسانية، فقد خلق الله الانسان مكرما منذ ولادته ، ولا يملك احد في الكون حق الاعتداء على هذه الكرامة ،مهما أوتي من نفوذ و قوة و سلطان ، و من مظاهر الكرامة الادمية التمتع بالحرية ،و امتلاك الارادة المطلقة ،التي تجعله يحمل المعتقد الذي يشاء ، ويدين بما يشاء ، ويفكر بما يشاء ، ويعبر عن افكاره وآرائه و معتقداته بكل الوسائل و الطرق المعروفة لدى البشر، سواء كانت مقروءة او مسموعة او مرئية ،ويسهم في بناء وطنه وخدمة امته بما يستطيع ، وبما آتاه الله من مهارات وقدرات .
من أبشع مراحل التاريخ البشري و أكثرها سوادا و قتامة هي المرحلة الاستعمارية ، التي تجلت بمجيء القوى الغربية و الشرقية لتحتل بلادنا و أرضنا بالقوة و العنف ، و تعمد الى الاستيلاء على المقدرات و نهب الخيرات ، ثم عمدت الى امتهان كرامة الشعوب بمصادرة حقها في العيش ،و ادارة شؤونها بنفسها، و بناء أوطانها بقدراتها، بطريقة همجية ممزوجة بشهوة القتل و التدمير ، و تحركها روح الغطرسة و عقدة التمييز العنصري .
لقد ثارت الشعوب العربية و الاسلامية لكرامتها ، و خاضت معارك دموية طويلة الأمد ، و استطاعت طرد المستعمر بعد أن نشأت الحركات الجهادية و حركات الاحياء الفكري التي تستمد رصيدها من مشروع الأمة الحضاري الكبير ، فكانت الحركة المهدية في السودان ، و الحركة السنوسية في ليبيا و ثورة عمر المختار الشهيرة ، و ابن باديس في الجزائر و عبد الكريم الخطابي في المغرب ،وغيرهم كثير من الذين قادوا حركات التحرر العربي ضد المستعمر.
رحل الاستعمار المادي صاحب الوجه العسكري البشع ، لتقع البلاد العربية فريسة لاستعمار من نوع آخر يتمثل في انظمة قمعية متسلطة ، عمدت الى مصادرة كرامة شعوبها كما فعل المستعمر ، ولم تستطع أن تقود الجماهير الى مرحلة البناء و النهوض و التحضر و الرفاه ، بل على العكس من ذلك أمعنت في تكريس التخلف و العجز و الضعف و التبعية ؛ لتكتشف الشعوب العربية أنها بحاجة الى خوض معركة الكرامة مرة أخرى .
ينبغي أن ندرك أن الاستقلال الحقيقي يعني صون الكرامة و اطلاق الارادة ، و أنه لا وجود للاستقلال بنفي الكرامة ، و لا نهوض و لا اعمار في ظل مصادرة الارادة، و مما ينبغي التوافق عليه أن كل مظاهر العنف التي يشهدها مجتمعنا هي احدى تجليات الشعور بالاهانة وضياع الكرامة،واحدى تجليات عدم اكتمال الاستقلال .
رحيل قوات الاستعمار الاجنبي هو المرحلة الاولى من مراحل الاستقلال ،الذي يحتاج الى اكمال خطوات أخرى عديدة ، منها مرحلة بناء المؤسسات الدستورية للدولة ، ووضع التشريعات الدستورية و القانونية التي تحفظ كرامة الشعب و سيادته ، وتجعله يملك حقوقه الاساسية في اختيار الحكومات و مراقبتها و محاسبتها و استبدالها ، ثم مرحلة النهوض التعليمي و التربوي و الثقافي و الفكري ، و بلورة الهوية الوطنية الجامعة ، و القدرة على استثمار المقدرات بطريقة سليمة ، و لا يكتمل الاستقلال الا ببناء الاقتصاد و الانتاج الذاتي ، و التخلص من كل أساليب التسول على أبواب الدول الغنية ، أو انتظار المنح الخارجية التي تنتقص من حقيقة الاستقلال ، و تخدش كرامة الشعب .
نحن بحاجة إلى أن نحتفل باستقلالنا هذه المرة بعيون كرامتنا وتمام حفظها وصيانتها، و عدم هدرها على أرضنا و في ربوع دولتنا ،عندما نحول دون تحويل الاردن الى ساحة للآخرين ، ونحول دون مصادرة حق الاردنيين ببلورة مشروعهم الوطني المتميز ... اعمارا ... و فكرا ... و فلسفة وهوية... ، بعيدا عن التبعية و التقليد وبعيدا عن الشعارات الفارغة والخالية من المضمون الحقيقي.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
الاستقلال بمعناه الجوهري يتركز حول مفهوم الكرامة الادمية ،التي جعلها الخالق الكريم صنو الانسانية، فقد خلق الله الانسان مكرما منذ ولادته ، ولا يملك احد في الكون حق الاعتداء على هذه الكرامة ،مهما أوتي من نفوذ و قوة و سلطان ، و من مظاهر الكرامة الادمية التمتع بالحرية ،و امتلاك الارادة المطلقة ،التي تجعله يحمل المعتقد الذي يشاء ، ويدين بما يشاء ، ويفكر بما يشاء ، ويعبر عن افكاره وآرائه و معتقداته بكل الوسائل و الطرق المعروفة لدى البشر، سواء كانت مقروءة او مسموعة او مرئية ،ويسهم في بناء وطنه وخدمة امته بما يستطيع ، وبما آتاه الله من مهارات وقدرات .
من أبشع مراحل التاريخ البشري و أكثرها سوادا و قتامة هي المرحلة الاستعمارية ، التي تجلت بمجيء القوى الغربية و الشرقية لتحتل بلادنا و أرضنا بالقوة و العنف ، و تعمد الى الاستيلاء على المقدرات و نهب الخيرات ، ثم عمدت الى امتهان كرامة الشعوب بمصادرة حقها في العيش ،و ادارة شؤونها بنفسها، و بناء أوطانها بقدراتها، بطريقة همجية ممزوجة بشهوة القتل و التدمير ، و تحركها روح الغطرسة و عقدة التمييز العنصري .
لقد ثارت الشعوب العربية و الاسلامية لكرامتها ، و خاضت معارك دموية طويلة الأمد ، و استطاعت طرد المستعمر بعد أن نشأت الحركات الجهادية و حركات الاحياء الفكري التي تستمد رصيدها من مشروع الأمة الحضاري الكبير ، فكانت الحركة المهدية في السودان ، و الحركة السنوسية في ليبيا و ثورة عمر المختار الشهيرة ، و ابن باديس في الجزائر و عبد الكريم الخطابي في المغرب ،وغيرهم كثير من الذين قادوا حركات التحرر العربي ضد المستعمر.
رحل الاستعمار المادي صاحب الوجه العسكري البشع ، لتقع البلاد العربية فريسة لاستعمار من نوع آخر يتمثل في انظمة قمعية متسلطة ، عمدت الى مصادرة كرامة شعوبها كما فعل المستعمر ، ولم تستطع أن تقود الجماهير الى مرحلة البناء و النهوض و التحضر و الرفاه ، بل على العكس من ذلك أمعنت في تكريس التخلف و العجز و الضعف و التبعية ؛ لتكتشف الشعوب العربية أنها بحاجة الى خوض معركة الكرامة مرة أخرى .
ينبغي أن ندرك أن الاستقلال الحقيقي يعني صون الكرامة و اطلاق الارادة ، و أنه لا وجود للاستقلال بنفي الكرامة ، و لا نهوض و لا اعمار في ظل مصادرة الارادة، و مما ينبغي التوافق عليه أن كل مظاهر العنف التي يشهدها مجتمعنا هي احدى تجليات الشعور بالاهانة وضياع الكرامة،واحدى تجليات عدم اكتمال الاستقلال .
رحيل قوات الاستعمار الاجنبي هو المرحلة الاولى من مراحل الاستقلال ،الذي يحتاج الى اكمال خطوات أخرى عديدة ، منها مرحلة بناء المؤسسات الدستورية للدولة ، ووضع التشريعات الدستورية و القانونية التي تحفظ كرامة الشعب و سيادته ، وتجعله يملك حقوقه الاساسية في اختيار الحكومات و مراقبتها و محاسبتها و استبدالها ، ثم مرحلة النهوض التعليمي و التربوي و الثقافي و الفكري ، و بلورة الهوية الوطنية الجامعة ، و القدرة على استثمار المقدرات بطريقة سليمة ، و لا يكتمل الاستقلال الا ببناء الاقتصاد و الانتاج الذاتي ، و التخلص من كل أساليب التسول على أبواب الدول الغنية ، أو انتظار المنح الخارجية التي تنتقص من حقيقة الاستقلال ، و تخدش كرامة الشعب .
نحن بحاجة إلى أن نحتفل باستقلالنا هذه المرة بعيون كرامتنا وتمام حفظها وصيانتها، و عدم هدرها على أرضنا و في ربوع دولتنا ،عندما نحول دون تحويل الاردن الى ساحة للآخرين ، ونحول دون مصادرة حق الاردنيين ببلورة مشروعهم الوطني المتميز ... اعمارا ... و فكرا ... و فلسفة وهوية... ، بعيدا عن التبعية و التقليد وبعيدا عن الشعارات الفارغة والخالية من المضمون الحقيقي.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)