البرلمان ولعنة الموازنة.. أما آن أوان تغيير قواعد اللعبة؟
جو 24 :
تامر خورما - مع نهاية كلّ سنة، يقف البرلمان أمام إحدى أهمّ الإستحقاقات، التي تحدّد المسار الإقتصادي للبلاد، وبالتالي كلّ ما يتعلّق بمعيشة المواطن، الذي بات بالكاد يتدبّر خبزه كفاف يومه.. وهو استحقاق الموازنة.
الأصل.. أن يوافق البرلمان على ما تقترحه الحكومة من مشاريع استنادا إلى مدى توافق أو تعارض هذه المشاريع المقترحة مع إرادة الناخب ومصلحته.. وبما أن الغالبيّة العظمى من الناس يمكن تصنيفها طبقيّا ضمن الشرائح الفقيرة، أو من بقايا الطبقة الوسطى في أحسن الأحوال، فالنتيجة المنطقيّة أن يكون معيار الموافقة على مشروع قانون الموازنة، أو ردّه، أو تعديله، هو العدالة الإجتماعيّة، ومدى مراعاة ضماناتها في بنود وأرقام القانون.
ولكن -مع الأسف- معايير مختلفة تماما هي التي يحتكم إليها أغلب أعضاء المجلس النيابي للإدلاء بأصواتهم حول قبول أو رفض الموازنة المقترحة من السلطة التنفيذيّة.. هذه المعايير لا تتصل على الإطلاق بالمصلحة العامّة أو المحدّدات الشعبيّة لإرادة الناخبين، وإنّما مصالح شخصيّة آنيّة محدودة، لا تخرج عن إطار ما يمكن وصفه بالمقايضة الخدميّة.
المقايضة الخدميّة، أو لنقل الخدماتيّة، تتلخّص في كسب موافقة نائب من خلال منحه بعض الأوراق التي تساعده على كسب معركته الإنتخابيّة المقبلة، استنادا إلى تقديم عدد من الخدمات الشخصيّة، مقابل الصوت المحدّد لمصير القوانين المقترحة على البرلمان، ومن ضمنها قانون الموازنة العامّة.. هذه الخدمات قد تكون وظائف، أو إعفاءات، أو تزفيت شارع.. الخ.. ولكنّها في نهاية الأمر لا تصبّ على الإطلاق في سياق المصلحة العامّة المشتركة.
هذه المعضلة القديمة المتجدّدة مازالت تشكّل العائق الأساسي أمام التحرّر من الأعباء الإقتصاديّة التي راكمتها الحكومات المتعاقبة، عبر موازناتها المنحازة دوما لمصالح الأقليّة الثريّة، والقطاعات الممثلة لرأس المال المالي، ولو كان هذا على حساب وطن بأكمله.
في الموازنة المرتقبة من المتوقّع أن يصل الدين العام إلى 1.247 مليار دينار.. هذا بعد المنح. الرقم مرشّح بالطبع للارتفاع في ظلّ المبالغة بتقدير الإيرادات المحليّة، وتفاقم نسبة العجز.. رغم هذا لا يوجد من يستطيع التفاؤل بأن يتّخذ البرلمان موقفا حاسما يغيّر تلك المعادلة.
في نهاية كلّ عام، يشبعنا أعضاء المجلس النيابي خطبا رنّانة وكلمات شعبويّة وتسجيل مواقف "تبرق وترعد".. ولكن في نهاية الأمر تصوّت الأغلبيّة بما تشتهي السلطة التنفيذيّة، ويتم تمرير الموازنات بعد تعديلات تجميليّة طفيفة، لا تغيّر شيء من واقع الأمر.
ترى.. متى يعتقد البرلمان أن الأوان قد حان لنسف تلك المعادلة من جذورها، وإلزام الحكومة بموازنة تضمن مبادئ العدالة الإجتماعيّة، وتخرج من عباءة المؤسّسات الماليّة الدوليّة؟ قانون الموازنة العامّة هو من أهم القوانين وأخطرها، فهل سيبقى البرلمان عاجزا عن اتّخاذ موقف حاسم يغيّر قواعد اللعبة، ولو لمرّة واحدة منذ انعقاده؟