هي قضية سياسية
جمانة غنيمات
جو 24 : آخر المعلومات القادمة من "الدوار الرابع"، تؤكد أن الحكومة ماضية في قرار رفع أسعار الكهرباء.
بيد أن الجديد في الطرح الحكومي يتمثل في إعفاء نحو 85 % من مستهلكي القطاع المنزلي من القرار، إضافة إلى استثناءات تُمنح لقطاعي الصناعة والزراعة، للتخفيف عن هذه الفئات.
ما يرشح من معلومات يؤكد أن كل من يقل استهلاكه الشهري عن 300 كيلو واط لن يُشمل بقرار الزيادة. وفي ذلك حماية للطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل من الضرر المباشر.
غير أن الاستثناء، وللأسف، لا يحمي الطبقة المتوسطة التي طالما كانت تتلقى ضربات الأسعار من الحكومات.
القرار لم يتخذ بعد، وما تزال الحكومة تعقد جلسات متتالية للتباحث حول الشكل النهائي للخطوة؛ ما يبقي الباب مفتوحا للمطالبة بزيادة الشريحة التي سيتم استثناؤها من القرار، بحيث تصل مثلا لحدود 400 كيلو واط في الشهر.
الحكومة أسقطت من البدائل فكرة تقديم دعم نقدي مباشر للمتضررين. لكنها في الوقت نفسه لم تقدم أفكارا لمجابهة الضرر غير المباشر، والمتمثل في ارتفاع معدل التضخم نتيجة القرار، والذي يقدره مسؤولون بنسب تتراوح بين 1-1.5 %، فيما المرجح أن يتجاوز ذلك.
والسيطرة على أسعار المستهلك هي التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة؛ إذ يدرك الجميع، ومن تجارب الماضي، أن معدلات التضخم بعد هكذا قرارات لا يمكن ضبطها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن آخر أرقام رسمية قدرت التضخم بنسبة تصل إلى
7.2 %، وهي نسبة مرتفعة في ظل محدودية وثبات المداخيل.
الدور الكبير في هذه المسألة يقع على كاهل البنك المركزي، الذي يُنظر إليه على أنه حارس معدلات التضخم. الأمر الذي يستوجب اتخاذ خطوات تحد من هذه المعدلات، عبر تخفيض معدلات الفائدة على التسهيلات مثلاً. وربما يتسنى لـ"المركزي" تفعيل مبادرة دعم التسهيلات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
يبدو مواتيا في هذه الفترة أن تبعث الحكومة برسائل حسن نوايا لطمأنة الشارع والرأي العام المحليين، بالتوازي مع تلك التي توجهها إلى صندوق النقد الدولي، وبما يؤكد شمولية وجدية الإصلاح.
فصحيح أن دعم الكهرباء هو تشوه، ولكنه ليس الوحيد؛ فثمة تشوهات كثيرة يستطيع الأردني عدها لمحاججة الحكومة بأن إصلاحها مجتزأ، ومنها على سبيل المثال، تشوهات الإنفاق؛ والتهرب الضريبي؛ وارتفاع العبء الضريبي، ولاسيما الضرائب المباشرة والخاصة.
وأخطر ما تواجهه الحكومة اليوم هو التشوّه الذي لحق بصورة الحكومات في عقول الأردنيين، نتيجة تجاربهم السيئة مع السلطة التنفيذية، المسؤولة عن إيصال العقل الشعبي إلى قناعة راسخة بأن كل ما تُقْدِم عليه الحكومة إنما يكون على حساب جيب المواطن ورزقه وعيشه، فيما الحلول الأخرى مؤجّلة.
قرار زيادة أسعار الكهرباء اقتصادي بحت، ومبرراته مالية رقمية، ترتبط بعجز الموازنة وبقدرة الحكومة على الاقتراض. لكن الوجه الآخر للقرار سياسيٌ، وهو الأخطر بالمناسبة، خصوصا وأن فجوة الثقة بالحكومات تحول دون إقناع الرأي العام بكل ما تقدمه الحكومة من مبررات وإجراءات تسهم في التخفيف من حدة القرار، وتجعله أكثر قبولا.
الحكومة ما تزال تتعامل مع الكهرباء على أنها ملف اقتصادي مالي، مسقطة من حساباتها الوجه السياسي للقصة.
من جديد، يمكن القول إن الأزمة مالية اقتصادية، لكن حلها بالدرجة الأولى سياسي. وما يمرّ به البلد اليوم ليس أخطر مما عرفه في العام 1989، وحينها كان المخرج سياسيا.
عبور المرحلة بكل تجلياتها ممكن، إنْ أحرزنا التوافق الوطني، لاسيما وأن الأخير يمهد الطريق لتمرير خطط الإصلاح بناء على قاعدة الثقة التي أُعيدَ بناؤُها. (الغد)
jumana.ghunaimat@alghad.jo
بيد أن الجديد في الطرح الحكومي يتمثل في إعفاء نحو 85 % من مستهلكي القطاع المنزلي من القرار، إضافة إلى استثناءات تُمنح لقطاعي الصناعة والزراعة، للتخفيف عن هذه الفئات.
ما يرشح من معلومات يؤكد أن كل من يقل استهلاكه الشهري عن 300 كيلو واط لن يُشمل بقرار الزيادة. وفي ذلك حماية للطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل من الضرر المباشر.
غير أن الاستثناء، وللأسف، لا يحمي الطبقة المتوسطة التي طالما كانت تتلقى ضربات الأسعار من الحكومات.
القرار لم يتخذ بعد، وما تزال الحكومة تعقد جلسات متتالية للتباحث حول الشكل النهائي للخطوة؛ ما يبقي الباب مفتوحا للمطالبة بزيادة الشريحة التي سيتم استثناؤها من القرار، بحيث تصل مثلا لحدود 400 كيلو واط في الشهر.
الحكومة أسقطت من البدائل فكرة تقديم دعم نقدي مباشر للمتضررين. لكنها في الوقت نفسه لم تقدم أفكارا لمجابهة الضرر غير المباشر، والمتمثل في ارتفاع معدل التضخم نتيجة القرار، والذي يقدره مسؤولون بنسب تتراوح بين 1-1.5 %، فيما المرجح أن يتجاوز ذلك.
والسيطرة على أسعار المستهلك هي التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة؛ إذ يدرك الجميع، ومن تجارب الماضي، أن معدلات التضخم بعد هكذا قرارات لا يمكن ضبطها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن آخر أرقام رسمية قدرت التضخم بنسبة تصل إلى
7.2 %، وهي نسبة مرتفعة في ظل محدودية وثبات المداخيل.
الدور الكبير في هذه المسألة يقع على كاهل البنك المركزي، الذي يُنظر إليه على أنه حارس معدلات التضخم. الأمر الذي يستوجب اتخاذ خطوات تحد من هذه المعدلات، عبر تخفيض معدلات الفائدة على التسهيلات مثلاً. وربما يتسنى لـ"المركزي" تفعيل مبادرة دعم التسهيلات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
يبدو مواتيا في هذه الفترة أن تبعث الحكومة برسائل حسن نوايا لطمأنة الشارع والرأي العام المحليين، بالتوازي مع تلك التي توجهها إلى صندوق النقد الدولي، وبما يؤكد شمولية وجدية الإصلاح.
فصحيح أن دعم الكهرباء هو تشوه، ولكنه ليس الوحيد؛ فثمة تشوهات كثيرة يستطيع الأردني عدها لمحاججة الحكومة بأن إصلاحها مجتزأ، ومنها على سبيل المثال، تشوهات الإنفاق؛ والتهرب الضريبي؛ وارتفاع العبء الضريبي، ولاسيما الضرائب المباشرة والخاصة.
وأخطر ما تواجهه الحكومة اليوم هو التشوّه الذي لحق بصورة الحكومات في عقول الأردنيين، نتيجة تجاربهم السيئة مع السلطة التنفيذية، المسؤولة عن إيصال العقل الشعبي إلى قناعة راسخة بأن كل ما تُقْدِم عليه الحكومة إنما يكون على حساب جيب المواطن ورزقه وعيشه، فيما الحلول الأخرى مؤجّلة.
قرار زيادة أسعار الكهرباء اقتصادي بحت، ومبرراته مالية رقمية، ترتبط بعجز الموازنة وبقدرة الحكومة على الاقتراض. لكن الوجه الآخر للقرار سياسيٌ، وهو الأخطر بالمناسبة، خصوصا وأن فجوة الثقة بالحكومات تحول دون إقناع الرأي العام بكل ما تقدمه الحكومة من مبررات وإجراءات تسهم في التخفيف من حدة القرار، وتجعله أكثر قبولا.
الحكومة ما تزال تتعامل مع الكهرباء على أنها ملف اقتصادي مالي، مسقطة من حساباتها الوجه السياسي للقصة.
من جديد، يمكن القول إن الأزمة مالية اقتصادية، لكن حلها بالدرجة الأولى سياسي. وما يمرّ به البلد اليوم ليس أخطر مما عرفه في العام 1989، وحينها كان المخرج سياسيا.
عبور المرحلة بكل تجلياتها ممكن، إنْ أحرزنا التوافق الوطني، لاسيما وأن الأخير يمهد الطريق لتمرير خطط الإصلاح بناء على قاعدة الثقة التي أُعيدَ بناؤُها. (الغد)
jumana.ghunaimat@alghad.jo