jo24_banner
jo24_banner

اليانكيز يعلنون مشروع "تحرير يهوذا والسامراء" والحكومة الأردنية تتجرّع غاز الإحتلال

اليانكيز يعلنون مشروع تحرير يهوذا والسامراء والحكومة الأردنية تتجرّع غاز الإحتلال
جو 24 :
تامر خورما - سفير اليانكيز لدى الإحتلال الصهيوني، ديفيد فريدمان، غرق تماما في غبار الميثولوجيا والخرافة، في سعيه المحموم لترجمة أوامر دونالد ترامب، القائم بأعمال بينيامين نتنياهو في واشنطن.

رغم انقضاء الألفية الثانية، وعقدين من الألفيّة الثالثة، يتمسّك السفير الأميركي بلغة الأسفار الميثولوجيّة، ليعلن بكلّ وقاحة أن الولايات المتّحدة تعترف بحقوق "دينيّة" للكيان الصهيوني في الضفّة الغربيّة المحتلّة، التي وصفها بـ "يهوذا والسامراء"، زاعما في ذات السياق بأن الأردن قام بـ "احتلال" تلك الأراضي لمدّة 19 عاما، قبل أن "تستعيدها اسرائيل".

من أعراض "الديمينتيا"، التي يترجمها البعض بالخرف أو العته، فقدان الإحساس بالزمن، والإنفصال عن التاريخ. كما يعاني المرضى المبتلون بلعنة الشيخوخة هذه من صعوبة فهم علاقة الأحداث بأبعادها الزمكانيّة. الغريب في الأمر أن واشنطن انتدبت أحد المصابين بهذا الابتلاء، ليكون سفيرها لدى الإحتلال.

السفير الذي لايزال يعيش في سرديّة العهد القديم، لا يعلم على ما يبدو أن هنالك ما يصعب إحصاؤه من السرديّات التاريخيّة الأخرى، التي تروي حكايات مختلف الحضارات التي عبرت على الأرض الكنعانية (من فرس وفراعنة وكلدانيين.. الخ) فهنالك قطع تاريخي في مخيخه، قاده إلى انتقاء السرديّة التوراتيّة دون غيرها، ليتوقّف الماضي والحاضر والمستقبل -بالنسبة له- ضمن حدود تلك السرديّة.

واليوم.. رغم تطوّر البشريّة وعلمها إلى ما مكّنها من غزو الفضاء، يلوذ فريدمان بالأساطير التوراتيّة لتبرير سياسة بلاده في العصر الراهن.. لن يكون مجديا الخوض هنا في جدال حول السرديّات التاريخيّة، ولا الإشارة إلى حكاية الخزر الذين تبنّوا أساطير مندثرة، ولا مطالبة اليانكيز والصهاينة بتقديم قطعة أثريّة واحدة، واحدة فقط، تثبت مزاعمهم التاريخيّة، ولكن يكفي العلم بأن هذه المنظومة الأميركيّة الصهيونيّة، لم تجد أيّ مبرّر لسياساتها المنحازة ضدّ شعوب المنطقة، فلجأت إلى الميتافيزيقيا وتناقضات السرديّات الأسطوريّة.

انطلاقا من الإستناد إلى الخرافة، يقول فريدمان أن المرحلة التالية بالنسبة للإدارة الأميركيّة، بعد اعتبار القدس عاصمة لـ "اسرائيل"، واعتبار الجولان تابعة لها، هي "تصحيح القضايا العالقة بعد حرب الأيام الستة"، ما يعني تمكين الإحتلال من الضفّة الغربيّة، التي تسعى واشنطن لمنح "الشرعيّة" لمستوطناتها، متحدية بذلك كلّ ما صدر من قرارات عن الأمم المتّحدة منذ العام 1967.

هذه المقاربة التي تنغمس فيها إدارة ترامب، تعيدنا إلى المربّع الأوّل للصراع.. القضيّة لا يمكن حصرها في إطار ما بعد النكسة، والصراع كان ولايزال وسيبقى صراع وجود، وليس صراع حدود.

ولكن ما هو المطلوب من الأردن الرسمي في مواجهة مثل هذه التصريحات الخطيرة؟ العدو بدأ فعليّا بضمّ منطقة غور الأردن، وواشنطن تسعى لشرعنة مستوطناته في الضفّة الغربيّة، بل وتعلن أنّها تريد "تحرير يهوذا والسامراء"، في ظلّ إصرار الإحتلال على قانون "يهوديّة الدولة".. خلاصة كلّ هذا باختصار: مشروع الوطن البديل.

كلّ قرارات الأمم المتحدة، سواء القرار رقم 194، أو 242، أو غيرهما، ألقي بها -على انحيازها للمشرع الصهيوني- في سلّة مهملات الحسابات السياسيّة، ولا تخجل إدارة ترامب من إعلان مواقفها الداعمة لمشروع تصفية القضيّة الفلسطينيّة، على حساب الأردن.. فماذا ستفعل الحكومة الأردنيّة تجاه هذه التطوّرات المتسارعة، وتفاصيل صفقة القرن، التي أعلن الملك نفسه رفضه لحيثيّاتها؟

لن نكون حالمين ونطالب حكومة الرزاز بإلغاء معاهدة وادي عربة على الفور -وإن كان هذا أقلّ ما يجب فعله في مواجهة هذه التطوّرات- بل لن نطالب حتّى باستدعاء السفير الأميركي في عمان، أو سحب السفير الأردني من دولة الإحتلال.. نعلم أن مثل هذه المطالب تحتاج لكميّات كبيرة من حليب السباع، الذي لا يمكن توفيره لتتجرّع الحكومة شيء منه.. ولكن..

هنالك رفض شعبي ونيابي وغضب ساخط على إصرار الحكومة على المضي بصفقة العار، التي ستلزم الأردن باستيراد الغاز المسروق من الإحتلال، وترهن اقتصاد البلاد، وسيادتها على قرارها السياسي لمصالح ومزاجيّة الكيان الصهيوني، فهل تلتفت الحكومة -على الأقل- إلى هذه المسألة، وتستجيب للشارع المطالب بإلغاء الاتفاقيّة الكارثيّة، أم أنّها ستواصل مشوار تمكين "اسرائيل" كقوّة مهيمنة تسعى لـ "تحرير يهوذا والسامراء"، ولا تخفي أطماعها الممتدّة إلى ما بعد نهر الأردن؟!
 
تابعو الأردن 24 على google news