صفقة ولدت ميتة.. فلماذا الخجل يا صناع القرار؟!
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية - الولايات المتحدة الإسرائيلية، أكدت مجددا أن واشنطن كانت وستبقى عاصمة الإحتلال الأبدية. هذا ما كان عليه الأمر منذ البداية.. كل ما تغير اليوم، عبر إعلان "صفقة القرن"، هو توضيح هذه الحقيقة، بلغة أكثر وقاحة.
الإيماءات الغزلية، والغمزات واللكزات التي عبرت عن لغة التواصل بين الليكودي بنيامين نتنياهو، والفاشي المتصهين دونالد ترامب، لا تكشف منطق البلطجة الذي يضبط رؤيتهما فحسب، بل تزيل أيضا أي لبس حول وجود حكومة احتلال مركزية، بفرعيها في البيت الأبيض وتل أبيب.
هذا المنظومة الحاكمة لسياسات الإحتلال، تجاوزت أدولف هتلر في رعونة جنون العظمة، والغرور الأعمى، الذي لا يرى أي وجود للمجتمع الدولي، ولا يسمع سوى صوت شهوة شاذة، عبرت عن انحرافاتها في ذلك النزق، الذي أراد دونالد نتنياهو، بوجهي عملته الواحدة، تسميته بالصفقة!
الشذوذ بلغ ذروته في إعلان البيت العبري الموحد بنود اعتدائه، الذي يريد فرضه بقناع ما اتفق على تسميته بالصفقة، وكأن الصفقات أو الاتفاقيات والتفاهمات يمكن إبرامها دون وجود طرف آخر، لتسوية الأمور معه.
الإسرائيليون في واشنطن وتل أبيب يرغبون في فرض حل على الأردنيين والفلسطينيين، ليكون نهاية أبدية للصراع الدائر في الشرق الأوسط، ولكن دون أي اهتمام مجرد بوجود طرف فلسطيني أو أردني، بل ودون حتى اعتراف بوجود قوى إقليمية حاسمة التأثير، أو مجتمع دولي لا يمكن اكتساب أية شرعية خارج إطاره.. صفقة لا يمكن وصفها سوى بقفزة عبثية في هواء تصور أحادي حالم.
على مستوى الإقليم عبرت كل من أنقرة وطهران عن رفضهما المطلق لهذه الصفقة المسخ. وزارة الخارجية التركية وصفت إعلان ترمب بأنه خطة مزعومة للسلام، مؤكدة أن هذه الصفقة ولدت ميتة.
وأضافت أنقرة إن ما ورد في إعلان الإدارة الأميركية هو خطة ضم، ترمي لقتل حل الدولتين، واغتصاب أراضي فلسطين. وتابعت: سنواصل العمل من أجل فلسطين مستقلة، ولن ندعم أي خطة لا يقبلها الفلسطينيون.
كما أكدت الخارجية التركية أنه لا يمكن شراء الشعب الفلسطيني وأرضه بالمال، وأن القدس خط أحمر بالنسبة لتركيا، التي لن تسمح بخطوات إلزامية لشرعنة الإحتلال والظلم.
هذا الموقف لم يختلف عن الموقف الذي أعلنته أيران، التي وصفت خطة ترمب وشركائه بأنها خطة العار وخيانة العصر، مؤكدة أنها محكومة بالفشل.
في مواجهة القوتين الأكثر وزنا وأهمية في الإقليم، يستحيل فرض هذه الصفقة، التي ترفضها كل من رام الله وعمان، حتى وإن جاء الموقف العربي الرسمي وفقا لما تشتهيه سفن واشنطن وتل أبيب. الدعوة التي صدرت في بيان الخارجية المصرية، مرددة لصدى ما ورد في نظيرتها الإماراتية، بالثناء على ما وصف بالجهود الأميركية، ودعوة أطراف الصراع لدراسة هذه الصفقة، والقبول بها كحل وحيد "للسلام"، ليست أكثر من تصفيق غير مجدي، للاعب مبتور الشرعية، أعمته العنجهية وأتخمه الطمع.
هذا التصفيق والتأييد لما ورد في إعلان دونالد نتنياهو، لا قيمة له طالما أن الموقف الرسمي الأردني والفلسطيني موحد وثابت وحاسم برفض أية خطة لا تستند إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس. وفي ظل التأييد المطلق لكل من أنقرة وطهران، لا يمكن إنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط، رغم هذا الرفض الرسمي، المدعوم شعبيا حتى ما بعد النفس الأخير.
ولا يقل أهمية عن توازنات القوى الإقليمية موقف المجتمع الدولي، من أي حل يراد فرضه على الشرق الأوسط. في نهاية المطاف الولايات المتحدة لا يمكنها اختزال العالم بأسره في بيتها الأبيض. قد يعتقد اليانكيز بأنهم "سوبر مان" العصر منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن هذه محض فقاعة هوليودية لا وزن لها على أرض الواقع، إذا لم يقبل الروس والأوروبيون بما تطرحه هذه الفقاعة من "حلول".
موسكو، أعلنت صراحة ضرورة قبول الطرفين (الفلسطيني والإسرائيليي) لأية تسوية يتم طرحها. ولا ننسى أن الدب الروسي لن يترك الشرق الأوسط لواشنطن تسرح فيه كما تشاء، وكأنها اللاعب الدولي الوحيد.
أما بالنسبة للأوروبيين، فرغم تماهي ما صرحت به الخارجية البريطانية مع رغبات حلفائها في واشنطن، إلا أن الاتحاد الأوروبي أكد على موقفه الثابت، المتمثل بحل الدولتين. كما قال وزير الخارجية الألماني إن الحل المقبول بين الطرفين هو وحده ما يمكن أن يؤدي إلى سلام دائم.
ولا ننسى أن هنالك دولا أوروبية، كالسويد مثلا، قد سبق وأن اعترفت رسميا بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وقد اتبعت عدة دول أخرى ما أقدمت عليه ستوكهولم منذ سنوات.
وكذلك برلين التي تقود الاتحاد الأوروبي، رغم أنها لاتزال تعيش عقدة الهولوكوست المزعوم، لن تقبل على الإطلاق بترك العالم قشة في مهب رياح الإرادة الأميركية أحادية النظرة والتصور.
طبعا جاء موقف الأمم المتحدة لينسجم مع موقف الاتحاد الأوروبي، مشددة على رؤية حل الدولتين، كسبيل وحيد لحل يقبله طرفي الصراع..
في النهاية يمكن لليانكيز التغريد كما يشاؤون خارج سرب المجتمع الدولي، ولكن هذا لن يحول رغباتهم إلى حقائق على أرض الواقع، حتى وإن أرسلت مسقط وأبو ظبي والمنامة ممثليها لمباركة إعلان نتنياهو ترمب!!
القرار الذي صاغه اليمين الصهيوني في البيت الأبيض ولد معزولا، وسيبقى كذلك. أكثر ما يمكن لهذه الخطوة تحقيقه هو تحسين شروط اللعبة الإنتخابية لبنيامين نتنياهو، وتخفيف وطأة العزل عن دونالد ترمب.
أمام هذه المعطيات، لا بد وأن يكون الرفض الأردني الرسمي أكثر حسما. رغم إعلان وزير الخارجية، أيمن الصفدي، تمسك الأردن بحل الدولتين، وبالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، إلا أن تصريحات الخارجية لم تتضمن عبارة صريحة تنص على رفض صفقة القرن.
الشعب بكافة فئاته وشرائحه ملتف حول الرفض الرسمي لهذه الصفقة.. القوى الإقليمية الوازنة أيضا عبرت عن دعمها للموقف الأردني والفلسطيني.. وكذلك المجتمع الدولي أكد التزامه بجوهر ما طرحه الأردن، لذا لا يوجد أي مبرر أمام الحكومة الأردنية لعدم الإرتقاء إلى مستوى الحدث بلغة أكثر حسما، وإجراءات عملية على أرض الواقع، للتصدي لهذا الاعتداء الأميركي الصهيوني، الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية على حساب الدولة الأردنية ونظامها السياسي.
بصراحة، اللغة الخجولة التي مازالت الدبلوماسية الأردنية متمسكة بها قد تكون أخطر من الإعلان الأرعن لصفقة القرن! المعطيات لاتزال في صالحنا، ولكن المطلوب إبداء إرادة صارمة في ترجمة "كلا" إلى واقع لا يحتمل الشك أو التأويل، في مواجهة هذه الخطوة التي جاءت بمثابة إعلان حرب..