الحكومة والأعيان والنواب في معان!
جمانة غنيمات
جو 24 : باستثناء وزير الداخلية، لم يزر أي من مسؤولي الدولة؛ إن كان من الحكومة أو من مجلسي الأعيان والنواب، مدينة معان التي دخلت في أزمة تتضخم مع مرور الوقت. ولم نسمع كلاما كثيرا من الحكومة والبرلمان في هذا الخصوص.
الحضور الأمني كان مكثفا ومستمرا. وزار مدير الأمن العام المدينة يوم الأربعاء الماضي، على أمل إخراجها من خضم أزمة، فتيلها لم يُسحب بعد.
ظلت معان وحيدة على مدى الأسابيع الماضية، ولم ينقذها الحديث الطويل عن الولاية العامة، ولا التنظير الرسمي حول القيام بالمسؤوليات الموكولة لمؤسسات الدولة كافة.
كل المسؤولين تخلوا عن الأيْمان والتعهدات التي قطعوها أمام الكاميرات بخدمة المجتمع والبلد، وانشغلوا -كما قال مواطن حويطي- بالجاهات والعطوات والمناسبات الاجتماعية، فأهملوا البلد وأهله بتكاسل مفرط مستفز.
ما قاله الرجل بحضور الملك ورجالات الدولة في يوم إطلاق مبادرة التمكين الديمقراطي، يختزل حال معان ومحيطها؛ خوف وقلق، وشعور بالتهميش، وحاجة إلى دولة القانون والمؤسسات التي افتقدها مواطنو تلك المحافظة منذ سنوات.
فالمسؤولون تركوا معان وأهلها بدون عون. وكان الأوْلى بهم أن يتناوبوا على زيارة سكان المنطقة التي عصفت بها مشكلات كثيرة خلال الفترة الماضية، وأدت إلى مقتل ثمانية مواطنين، إنما بدون أن تتحرك الدولة للمساعدة.
تركت معان وحدها، كما يقول ابنها الأكاديمي باسم الطويسي. ولم نشاهد كبار المسؤولين في زيارة مفاجئة للمدينة ليسمعوا من أهلها ما يعانون، ويناقشوهم في مشكلاتهم، ويعدوهم بوضع خطة شاملة متكاملة لإخراجهم من مأزقهم.
أول من أمس، زار رئيس الوزراء المفرق، وتحدث مطولا عن قرارات الحكومة الصعبة. لكن أزمة معان المتفاقمة لم تدفعه إلى النزول للجنوب. ومبررات هذا الغياب كثيرة، لكنها غير مقنعة.
فدور الحكومة، كما البرلمان بالتأكيد، ينصبّ على خدمة المجتمع والإنصات إلى همومه، ومجابهة التحديات التي تواجه الناس. وأهل معان أرسلوا أكثر من رسالة يطالبون فيها المسؤولين بالتدخل لإنهاء معاناتهم، لكن دونما سامع أو مستجيب.
المشاعر المسيطرة على المعانيين هي التهميش والإقصاء والتخلي. وهي مشاعر شديدة الخطورة. وثمة تفاصيل كثيرة يسردها أبناء معان عن تلاعب المسؤولين حتى بالنخب المعانية، القديمة منها والحديثة. فالقديمة لا تكترث، ولم تعد تلعب ذلك الدور التقليدي لحل المشكلات، والهدف تسليط الأضواء عليها. فيما النخب الجديدة تُفرَّق من قبل الدولة، من خلال توزيع الأعطيات على مجموعة دون أخرى بشكل انتقائي.
ثمة غياب كبير للدولة في معان، والحاضر الوحيد هو الحل الأمني، فيما الأزمة مركبة ومعقدة. والهدوء الحاصل مؤقت، في وقت تطالب شريحة واسعة باستعادة هيبة القانون.
في الظاهر، يرفض أهالي المنطقة استقبال أي مسؤول رسمي، وطبيعة الحال تقتضي أن تكون الحكومة والبرلمان هما المبادران بالزيارة، والتدخل لسحب فتيل أزمة مؤهلة للاتساع في أي لحظة.
ثمة تناقضات كثيرة في تلك البقعة؛ فهي مركز لتجارة السلاح، والمخدرات تباع فيها على جوانب الطرقات، وعلى الأرصفة إنْ وُجدت؛ فيما التيار السلفي ينتشر ويصدّر مقاتليه إلى سورية. هذه التركيبة المتناقضة بعد سنوات من الإهمال، صارت تستدعي تدخلا يضع حدا لكل التشوهات والاختلالات.
إنضاج الفكرة ونجاحها يتطلبان التمهيد والتخطيط للزيارة (أو الزيارات) الحكومية-البرلمانية بشكل استراتيجي؛ أمنيا وسياسيا، مع كثير من الدبلوماسية، وذلك من خلال تشكيل خلية إدارة أزمة، تساعد في إيصال صوت معان البعيد، والذي بُحّ لأن أحدا لم يسمعه. (الغد)
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الحضور الأمني كان مكثفا ومستمرا. وزار مدير الأمن العام المدينة يوم الأربعاء الماضي، على أمل إخراجها من خضم أزمة، فتيلها لم يُسحب بعد.
ظلت معان وحيدة على مدى الأسابيع الماضية، ولم ينقذها الحديث الطويل عن الولاية العامة، ولا التنظير الرسمي حول القيام بالمسؤوليات الموكولة لمؤسسات الدولة كافة.
كل المسؤولين تخلوا عن الأيْمان والتعهدات التي قطعوها أمام الكاميرات بخدمة المجتمع والبلد، وانشغلوا -كما قال مواطن حويطي- بالجاهات والعطوات والمناسبات الاجتماعية، فأهملوا البلد وأهله بتكاسل مفرط مستفز.
ما قاله الرجل بحضور الملك ورجالات الدولة في يوم إطلاق مبادرة التمكين الديمقراطي، يختزل حال معان ومحيطها؛ خوف وقلق، وشعور بالتهميش، وحاجة إلى دولة القانون والمؤسسات التي افتقدها مواطنو تلك المحافظة منذ سنوات.
فالمسؤولون تركوا معان وأهلها بدون عون. وكان الأوْلى بهم أن يتناوبوا على زيارة سكان المنطقة التي عصفت بها مشكلات كثيرة خلال الفترة الماضية، وأدت إلى مقتل ثمانية مواطنين، إنما بدون أن تتحرك الدولة للمساعدة.
تركت معان وحدها، كما يقول ابنها الأكاديمي باسم الطويسي. ولم نشاهد كبار المسؤولين في زيارة مفاجئة للمدينة ليسمعوا من أهلها ما يعانون، ويناقشوهم في مشكلاتهم، ويعدوهم بوضع خطة شاملة متكاملة لإخراجهم من مأزقهم.
أول من أمس، زار رئيس الوزراء المفرق، وتحدث مطولا عن قرارات الحكومة الصعبة. لكن أزمة معان المتفاقمة لم تدفعه إلى النزول للجنوب. ومبررات هذا الغياب كثيرة، لكنها غير مقنعة.
فدور الحكومة، كما البرلمان بالتأكيد، ينصبّ على خدمة المجتمع والإنصات إلى همومه، ومجابهة التحديات التي تواجه الناس. وأهل معان أرسلوا أكثر من رسالة يطالبون فيها المسؤولين بالتدخل لإنهاء معاناتهم، لكن دونما سامع أو مستجيب.
المشاعر المسيطرة على المعانيين هي التهميش والإقصاء والتخلي. وهي مشاعر شديدة الخطورة. وثمة تفاصيل كثيرة يسردها أبناء معان عن تلاعب المسؤولين حتى بالنخب المعانية، القديمة منها والحديثة. فالقديمة لا تكترث، ولم تعد تلعب ذلك الدور التقليدي لحل المشكلات، والهدف تسليط الأضواء عليها. فيما النخب الجديدة تُفرَّق من قبل الدولة، من خلال توزيع الأعطيات على مجموعة دون أخرى بشكل انتقائي.
ثمة غياب كبير للدولة في معان، والحاضر الوحيد هو الحل الأمني، فيما الأزمة مركبة ومعقدة. والهدوء الحاصل مؤقت، في وقت تطالب شريحة واسعة باستعادة هيبة القانون.
في الظاهر، يرفض أهالي المنطقة استقبال أي مسؤول رسمي، وطبيعة الحال تقتضي أن تكون الحكومة والبرلمان هما المبادران بالزيارة، والتدخل لسحب فتيل أزمة مؤهلة للاتساع في أي لحظة.
ثمة تناقضات كثيرة في تلك البقعة؛ فهي مركز لتجارة السلاح، والمخدرات تباع فيها على جوانب الطرقات، وعلى الأرصفة إنْ وُجدت؛ فيما التيار السلفي ينتشر ويصدّر مقاتليه إلى سورية. هذه التركيبة المتناقضة بعد سنوات من الإهمال، صارت تستدعي تدخلا يضع حدا لكل التشوهات والاختلالات.
إنضاج الفكرة ونجاحها يتطلبان التمهيد والتخطيط للزيارة (أو الزيارات) الحكومية-البرلمانية بشكل استراتيجي؛ أمنيا وسياسيا، مع كثير من الدبلوماسية، وذلك من خلال تشكيل خلية إدارة أزمة، تساعد في إيصال صوت معان البعيد، والذي بُحّ لأن أحدا لم يسمعه. (الغد)
jumana.ghunaimat@alghad.jo