"أكيد".. منصّة حكوميّة أخرى ومنبرا لتسويق وزير العمل
جو 24 :
تامر خورما - مرصد أكيد، التابع لمعهد الإعلام الأردني، تطوّع بشكل واضح لتسويق وزير العمل، نضال البطاينة، من خلال الترويج لتصريحاته على أنّها حقائق مطلقة، ينبغي التسليم بها، بصرف النظر عن أيّة نتائج تكشفها مراكز الأبحاث والرصد. "أكيد" حوّل نفسه إلى منصّة أخذت على عاتقها مهمّة المدافع عن الحكومة وفريقها الوزاري على قاعدة: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما".
هذا الإستنتاج يمكن الوصول إليه بسهولة من خلال إلقاء نظرة على مادّة نشرها مرصد أكيد على موقعه الإلكتروني، ينتقد فيها التقرير الذي أصدره "راصد" حول أداء الحكومة خلال عام ونصف. "أكيد" يدّعي أن تقرير "راصد" يتّصف بغياب التوازن، وعدم الدقّة في الأرقام.. ولكن "الدليل" الذي قدّمه "أكيد" ليثبت صحّة هذا الادّعاء تمثّل بمقتطفات من تصريحات لوزير العمل، روّج لها وكأنّها حقائق مطلقة، في محاولة بائسة لتفنيد ما ورد في تقرير "راصد".
بداية "أكيد" ليس مؤسّسة بحثيّة أو مركز دراسات شاملة، وإنما يفترض أنّه مرصد تقتصر مهمّته على تقييم وسائل الإعلام، وقد فشل بشكل فاضح في أداء هذه المهمّة عبر عدّة تقارير سابقة، بيّن خلالها انحيازه المطلق للحكومة، والرأي الرسمي. هذا الانطباع لا يمكنك تجنّبه عند تصفّحك للمواد التي ينشرها هذا المركز، بعيدا عن الحياد الذي يدّعيه، وخير دليل على ذلك المادّة التي نشرها مؤخّرا لينتقد "راصد"، ويدّعي صحّة الرأي الرسمي دون التحقّق من الأرقام التي أوردها.
قفزة مغامرة، حاول من خلالها "أكيد" تولّي مهمّة خارج حدود اختصاصه، فكانت النتيجة إعداد مادّة رديئة الإخراج، لا يمكن وصفها إلاّ بأنّها مادّة إعلامية موجّهة، تجاوزت حتّى أساليب التوجيه المباشر، الذي كانت تتميّز به "البرافدا" في الحقبة السوفياتيّة.
من خلال هذه القفزة، حاول أكيد ولوج باب مهاجمة "راصد" من خلال انتقاد وسائل الإعلام التي نشرت تقريره حول أداء الحكومة. "أكيد" انتقد نشر التقرير "دون التأكد من مصادر جمع المعلومات وتغطيتها لأطراف القضية كافة"، وكأنّه يطالب الإعلام بأن يقوم بإعداد دراسة حول الدراسة التي أعدّها "راصد"، قبل نشر تقريره، فهل قام هذا المرصد الإعلامي بهذه المهمّة عندما نشر مادّته الموجّهة، دفاعا عن الحكومة بشكل عام، وعن وزير العمل بشكل خاص؟!
بعيدا كلّ البعد عن الموضوعيّة التي يطالب بها مرصد أكيد، اعتبر في مادّته المنشورة أن الأرقام التي أعلنها وزير العمل هي الحقيقة المطلقة، في مواجهة تقرير راصد، دون التأكّد إطلاقا من صحّة ودقّة أرقام الوزير، وكأن منصب الرجل يكفي لإعتباره مرجعا "لا ينطق عن الهوى"!
من الأمثلة على هذا الرقم المتعلّق بسفرات الوزير، والذي أورد "راصد" أنّها كانت 4 سفرات، فيما ادّعى "أكيد" في مادّته الموجّهة عدم صحّة هذا الرقم، مستندا فقط إلى مقابلة متلفزة لوزير العمل، قال فيها إن عدد سفراته كان ثلاث سفرات فقط. المرجع الذي استند إليه "راصد" في أرقامه بهذا الصدد كان الجريدة الرسميّة نفسها، فما هو المرجع الذي استند إليه "أكيد" في طرح رقم وزير العمل على أنّه الحقيقة؟!
المطالبة بكشف مصادر المعلومات قبل نشرها، هو "السلاح" الذي تأبّطه كلا من وزير العمل، ومنصّته "أكيد"، ولكن دون إيراد مصادر الأرقام التي وردت في المادّة الموجّهة المذكورة، أو في المقابلة التلفزيونيّة التي أجراها الوزير. الوزير نفسه كان قد وقع في عدّة تناقضات سلّط "راصد" الضوء عليها في ردّه على "أكيد". من هذه التناقضات مثلا: إن "وزير العمل في مداخلته المتلفزة بتاريخ بتاريخ 4/2/2020 أن عدد المسجلين الجدد في الضمان هم 48 ألف شخص وكان قد ناقض هذا الرقم خلال المؤتمر الصحفي له في مقر الضمان الاجتماعي بتاريخ 22/10/2019 حيث قال آنذاك أن عدد المسجلين هو 27878 شخص". كما أن نفي وزير العمل لما أورده تقرير "راصد" من أرقام حول أعداد المشغلين، يصطدم بالتناقض في تصريحات الوزير نفسه، فيما يتعلّق بعدد المشغلين ضمن الإطار الوطني للتشغيل، والتي فصّلها راصد في ردّه.
في النهاية، يطالب "أكيد" وسائل الإعلام بالالتفات إلى "المعايير المهنيّة والقانونيّة" عند القيام بتغطية التقارير واستطلاعات الرأي، وباستخدام أسلوب الاستقصاء، في ذات الوقت الذي يقوم به هذا المرصد باعتبار مقابلة تلفزيونيّة لأحد الوزراء مرجعيّة لا صوت يعلو فوق صوتها، ويستند إليها فقط في محاولة تفنيد ما ورد في تقرير ينتقد الأداء الحكومي.. أمام هذا الواقع لا يمكن اعتبار "أكيد" أنّه أكثر من مجرّد منصّة حكوميّة أخرى، تفتقر حتّى لاتقان أساليب الإعلام الموجّه التي تميّز بها إعلام الأنظمة الشموليّة.