عبقرية الرزاز في مواجهة كل شيء.. لا تقرأ ما بين السطور!
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية - العالم يشهد تغيرات تخرج عن سيطرة حتى الدول الكبرى، ولكن الأردن لا يقف في صفوف المتفرجين، بل يمتلك القدرة على تحصين نفسه، واقتناص الفرص.. هذا ما أكده رئيس الوزراء د. عمر الرزاز، خلال اللقاء الصحفي الذي عقده أمس السبت في دار الرئاسة، حيث وقف كالجبل الذي لا تهزه ريح، متحديا تلك العواصف التي أشار إليها، ابتداء من انهيار الأسواق العالمية في زمن الكورونا، وليس انتهاء بصفقة القرن، في عهد الكو كلوكس كلان الجدد، ممثلين بجاريد كوشنر، ودونالد ترمب.
وقفة الرزاز، الذي استعرض إنجازاته في مواجة هذا الزمن الرديء، تستحق الكثير من التأمل والتفكر في أسرار العوالم الداخلية للبشر، ومتاهات السيكولوجيا الإنسانية بالغة التعقيد.. دولة الرئيس كان يبدو مقتنعا تماما بأن الأردن لم يتخذ دور المتفرج في مواجهة التغيرات العالمية الكبرى، وقد عبر عن هذه الثقة من خلال لغة الجسد، ورباطة الجأش منقطعة النظير، التي يتمتع بها الرئيس.
صحيح أن الأردن لم يتخذ دور المتفرج في مواجهة صفقة القرن، فقد أعلن رفضه الكامل والمبدئي لهذه الصفقة المسخ، وعلى أعلى المستويات، ولكن حكومة الرزاز -مع الأسف- عمدت إلى اقتناص فرصة الغاز الصهيوني المسروق، لتمكين العدو من الاقتصاد الوطني الأردني، وبالتالي القرار السياسي للبلاد.. ضمن هذا الإطار نتفق مع الرئيس حول مسألة اقتناص الفرص، ولكن أية فرصة تلك، التي اصطادتها حكومته لتقوض بها وجود الدولة الأردنية، ومستقبل الأجيال القادمة؟!
الرزاز جاء بما لم تأت به الأوائل، وقد تميز عهده في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، بالقدرة الفريدة على التدمير الممنهج لأية أوهام تتعلق بوصفة "الغد الأجمل".. الرجل كان يسخر من الجميع، بلا شك، عندما تحدث عن حرص حكومته على تنويع مصادر الطاقة، والاعتماد على الموارد المحلية لتوليد الكهرباء.. بعد إصراره العنيد على إلحاق الأردن اقتصاديا بمركزية الإحتلال الصهيوني، عبر صفقة الغاز، تذكر صاحبنا مصادر الطاقة المحلية في "الريشة" وحقل حمزة، فمضى في إشارته لهذه المصادر ساخرا من كل متابعي هذا اللقاء العبثي!
ولا تتوقف "إنجازات" الرجل عند حدود تهميش مصادر الطاقة، بل تتجاوز ذلك لتتحدى انهيار الأسواق العالمية بما أسماه بالمصفوفة الإقتصادية.. هذا الإسم الغريب الذي اخترعه الرئيس يعيد إلى الأذهان أحداث فيلم "الماتركس"، الذي صور البشرية كأسيرة لمصفوفة رقمية تستلب حرية وإرادة الإنسان.. قد يكون هذا هو المقصود من سياساته المغامرة، وحزماته التي يتفاخر بها، وخاصة تلك الحزمة الإلكترونية الأخيرة، التي فشلت حتى في صناعة موقع موثوق، يضمن خصوصية البيانات الشخصية للمستخدمين.. أصغر شركة ناشئة تستطيع تدشين موقع أكثر احترافية بكثير، من ذلك الشيء الذي أطلق عليه اسم "سند"، في عهد الريادة الرقمية لصديق الحراك الإلكتروني مثنى الغرايبة.
وبذكر الحرية تمر على الذهن جملة مثيرة قالها الرئيس في لقاء الأمس، عندما تطرق إلى حقوق الإنسان وحريته، مشددا على أن الدولة القوية هي ليست الدولة المتسلطة أو الاستبدادية.. هل كان الرزاز يمزح في قوله هذا؟ مفاتيح عوالم السيكولوجيا البشرية تعجز عن فك لغز هذه المفارقة.. دولته نسي "بالتأكيد" معتقلي حراك بني حسن، الذين يواجهون السجان بمعركة الأمعاء الخاوية.. أية حقوق تتحدث عنها يا دولة الرئيس، وأنت تجعل من هاجس الأمن أسطورة "جستابو" تقتنص كل مطالب بالإصلاح؟!
ولكن لنعد قليلا إلى مصفوفة الرئيس الاقتصادية.. الرجل تحدث عن "معجزة" حكومته في "رفع الرواتب".. رغم أن الحد الأدنى للأجور لايزال أقل بكثير من مستوى خط الفقر، يمن علينا الرئيس بزيادة حفنة من الدنانير، لا تساوي حتى الفارق الأخير بين المعقول والمسجل في فاتورة الكهرباء! ولا ننسى أيضا مسألة الضرائب.. صاحبنا ذكر قيام حكومته بتخفيض الجمارك على السيارات، وكأنه يعتبر ذلك إنجازا في معرض السياسات الضريبية التي تنتهجها السلطة التنفيذية، المعادية تماما لكل مبادئ وقيم العدالة الاجتماعية..
كما تطرق صاحبنا في حديثه المتفائل بمستقبل اقتصادي مشرق إلى القطاع الزراعي، مصرا على أن ما ورده من أرقام حول الصادرات يبشر بالخير.. يا رجل، هل تذكر الثمانينيات، وما أدراك ما الثمانينيات؟! في ذلك الزمن يا سيادة الرئيس كان المزارع الأردني يحتل الأسواق الخليجية بمنتجاته التي تشمل كل ما لذ وطاب.. اليوم نفس هذا المزارع مستعد لأن يبيعك أرضه مقابل فاتورة الكهرباء التي تصفعه بها!
كثيرة هي المحاور التي تطرق إليها الرئيس في لقائه الصحفي، مختالا على تحدي الدقيقتين الذي خاضته رئيسة وزراء نيوزلاندا، ولكن أهم ما تكرر على لسان الرجل هو "التأمين الصحي".. لا مجال للخوض كثيرا في واقع مستشفى البشير، ولا حجب مركز الحسين للسرطان عن الفقراء الذين شيدوا هذا الصرح بتبرعاتهم.. يكفي تذكيرك يا دولة الرئيس بالطفلة جنى.. هل تذكر هذا الإسم؟ لعلمك، هذه الطفلة ماتت على أبواب المستشفيات في كانون الأول الماضي.. والسبب، عدم وجود سرير!
الرئيس يعلم.. ولكنه يحب ممارسة هواية دفن الرأس في الرمال أمام الحقائق.. أنت تعلم جيدا يا دولة الرئيس أن نسبة البطالة تكاد أن تبتلع نحو نصف شباب الوطن.. وتعلم أيضا أن "الفرص" التي تعلن حكومتك عن توافرها لا تكفي رواتبها لتسديد ضريبة المبيعات.. وتعلم كذلك أن كلمة "إصلاح" تضع قائلها في مواجهة "أمن الدولة".. وتعلم أيضا، وبكل تأكيد، أن غاز العدو احتلال.. فلماذا ترهقنا بمثل هذه اللقاءات والاستعراضات العبثية أمام كاميرات الإعلام؟!