التصريحات الصفراء.. جنازة الثقة بالحكومة في ظلّ الوباء
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية - الإحترافيّة التي عبّر عنها الأداء الرسمي في التعامل مع أزمة الكورونا، بدأت في أعلى المستويات، حيث كانت الحكومة في منتهى الدقّة والشفافيّة، متّسقة في تصريحاتها الإعلاميّة فيما يتعلّق بمستجدّات التعامل مع الأزمة لحظة بلحظة.. التصريحات لم تكن تصدر إلاّ عن المخوّلين رسميّا بالإدلاء بها، ما أغلق الباب تماما في وجه الشائعات، وسدّ ذرائع الفوضى، وجعل من مصداقيّة الحكومة، لأوّل مرّة، مسألة مسلّم بها بين المواطنين.
ولكن مع بدء ارتفاع الحالات المصابة، بدأت زوبعة من التصريحات تصدر عن كلّ من هبّ ودبّ، وأصبحت الأرقام تتضارب في كثير من وسائل الإعلام، نظرا لتعدّد مصادر التصريحات، الأمر الذي انعكس أيضا على وسائل التواصل الإجتماعي، حتّى بات الوضع خارجا تماما عن السيطرة، وأصبح كلّ من يشاء يدلو بدلوه فيما يخصّ هذه المسألة.
بصراحة، ما يحدث يفتح الباب واسعا لمخاطر نشر الشائعات، في الوقت الذي نحن فيه أحوج ما نكون إلى التماسك، واستسقاء المعلومة من مصدر واحد فقط، هو المصدر الرسمي، ممثلا بوزيري الصحّة والإعلام، واللجنة الوطنيّة للأوبئة.. أمّا أن نترك المجال لكلّ من لديه حالة اشتباه، بأن يدلي بدلوه للرأي العام، فهذا من شأنه إثارة مختلف صنوف التكهنات، ونشر الهلع، ونزع المصداقيّة تماما من الجهات الرسميّة المخوّلة.
لماذا يعلن الطبيب الفلاني أو العلاّني لوسيلة إعلاميّة بعينها تسجيل حالة إصابة بالكورونا، دون أو قبل أن يعلن هذا الأمر وزير الصحّة مثلا؟ ماذا كانت تنتظر الجهات الرسميّة؟ وهل كانت تريد إخفاء الأمر؟ مثل هذه الأسئلة مشروعة تماما، ولكن طرحها الآن في غاية الخطورة، والحكومة مسؤولة عن ضبط الأوضاع، وعدم ترك أبواب التصريحات مشرعة على هذا النحو.
مصيبة أن هذه التصريحات لا تصدر عن الجهات المخوّلة لكافّة وسائل الإعلام، كما يفترض خلال الأزمات، بل يلجأ كلّ من يرغب بالتصريح إلى أحد الوسائل الإعلاميّة المحبّبة إليه، ليخصّها بمعلومات ربّما قبل أن تبلغ وزير الإعلام نفسه.. وهنا يمكن إدراك أن حجم الأزمة مرشّح للتفاقم إلى درجة خطيرة!
الأصل في ظلّ الأزمات والطوارئ أن تكون هنالك غرفة عمليّات تعمل كخليّة نحل، وتتواصل مع الناس عبر مركز إعلامي يقدّم المعلومة لكافة وسائل الإعلام، وليس أن يخصّ أحدهم وسيلة بعينها، فالناس لا تتابع منصّة واحدة، كما أن هنالك وسائل إعلاميّة لا تحظى بثقة الجميع.
أما العبث فهو أن يترك المجال لكلّ وسيلة إعلاميّة ترغب باحتكار المعلومة، وتلجأ إلى مدراء المستشفيات.. هذا الوضع لا يقود سوى إلى فوضى معلوماتيّة، وتصريحات شتّى تزيد من تأزيم الأوضاع.. يفترض أن يكون هنالك إيجاز إعلامي متواصل، يطرح آخر المستجدّات بكلّ دقّة وشفافيّة للجميع.
هل حقّا يدرك "المصدر الموثوق" حقيقة ما يقوم به عندما "يخصّ" وسيلة إعلاميّة بنبأ حول هذا الموت المتجوّل بيننا؟ هل قصّر وزير الصحّة مثلا في شيء، حتّى يكون هو آخر من يعلم؟ كيف يمكن استعادة الثقة التي بدأت تمدّ جسورها بين الحكومة والمواطن وسط زوبعة التصريحات هذه؟ وما هو موقف وزير الدولة لشؤون الإعلام أمام تلاطم التصريحات غير الرسميّة على صفحات المواقع الإلكترونيّة؟ وكيف يمكن للدولة إقناع الناس باستسقاء المعلومة من مصدر تحدّده هي، وسط هذه المعمعة؟
لا ينبغي أن نتناسى أنّنا في مواجهة وباء عالمي.. أو بالأحرى جائحة عابرة للحدود.. في ظلّ هذا الوضع يفترض علينا جميعا أن نحافظ على الثقة، التي نجحت الحكومة في زرعها بداية الأزمة، قبل أن تبدأ الأمر بالفلتان!