قبل أن يشيخ الأردنيون
جمانة غنيمات
جو 24 : في الأردن، تمثل التركيبة العمرية للسكان تحديا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، لاسيما أن نحو 70 % من سكان المملكة سيكونون خلال العشرين سنة المقبلة في سن العمل.
علميا، يُطلق على هذه الحالة مسمى "الفرصة السكانية"؛ لأن التركيبة العمرية للبلد تعد بحق قيمة مضافة، يمكن لها أن تدعم الخطط الحكومية في إحداث التغيير المطلوب، من خلال استغلال طاقات الشباب واستثمارها بشكل حقيقي قبل أن تضيع الفرصة.
ومن ثم، فإنه بقدر ما يحمل ارتفاع نسبة الشباب أملا في إحداث تغيير منشود عبر استثمار الفرصة القابعة في ثناياه، فإن هذا الارتفاع يمثل أيضا، وبالنتيجة، تحديا كبيرا لجميع مؤسسات الدولة؛ الرسمية والخاصة، التي باتت تهتم أكثر بتشغيل الشباب، كونها تدرك مخاطر تعطلهم، خصوصاً بعد الثورات العربية والحراك الشبابي المطالب بالإصلاح.
الشباب الذين كانوا وقود الثورات في العامين الماضيين، يمكن أن يصبحوا محركاً للتنمية والتغيير الإيجابي والتدريجي، في حال تهيأت الظروف المواتية لتوجيه طاقاتهم وقدراتهم إلى الإنتاج، وصولاً إلى ترجمة أحلامهم بحياة أفضل ومستقبل آمن.
التحدي يمكن أن يتحول إلى فرصة حقيقية لتحقيق التنمية وزيادة الإنتاجية خلال العقدين المقبلين. إلا أن مرور هذه الفترة بدون تخطيط، سيضاعف المشاكل الشعبية والرسمية، بعد أن ترتفع نسبة كبار السن في المجتمع، ليصبح مجتمعا كهلا؛ ثلثا سكانه يحتاجون رعاية صحية أعلى، عدا عن الضعف الذي سيصيب عجلة الإنتاج.
ضمن المعطيات الحالية، لا يبدو أن الظروف جاهزة لاستثمار الفرصة السكانية؛ فنسب النمو الاقتصادي المتوقعة بحدود 3 %، بحسب التقديرات الحكومية والدولية، لا تكفي لخلق فرص عمل تستوعب النمو السكاني، وتستوعب رغبات الساعين إلى فرص العمل. كما أن الاستثمار المطلوب للغاية ذاتها قليل؛ إذ يعاني هذا المؤشر من تراجع كبير نتيجة الظروف الإقليمية والمحلية التي أدت إلى تثبيت تدفق رؤوس الأموال اللازمة لإنشاء استثمارات تستوعب التركيبة السكانية الشابة.
المؤشرات تسير بعكس المطلوب؛ فالبطالة ارتفعت خلال الفترة الماضية، رغم أن الوضع يتطلب تخفيضها؛ ومعدلات الإنتاجية ليس في أحسن أحوالها؛ والفقر في ازدياد؛ وإنشاء المشاريع تحد منه مخاوف أصحاب رؤوس الأموال، سواء كانت لأسباب مبررة أم لا.
رغم ذلك، فالفرصة ما تزال متاحة، لكن التحضير يجب أن لا يتأخر أكثر. فلا بد من خطة شاملة يشترك في بلورتها الجميع بدون استثناء، من القطاعين العام والخاص؛ فالكل له مصلحة بعدم تفويت الفرصة التي لا تتكرر. فيما حالة التشتت التي يمر بها البلد بكل مؤسساته تؤجل التفكير، وتولد أجواء من الإحباط والإهمال أحيانا، وسط تبادل الاتهام والتخلي عن المسؤوليات.
الميزة الديموغرافية نعمة، ويمكن استثمارها لزيادة الإنتاجية التي يعترف كثيرون بأن ضعفها يشوه صورة المجتمع، وهذه بالمناسبة حقيقة، لأن الأرقام تؤكد أن مستوى الإنتاجية لا يتجاوز 36 % من إجمالي طاقة العمل.
بعد عقدين، ستنقضي "الفرصة"، ولن تتوفر ذات الظروف لتحقيق النهضة المطلوبة. لكن إحداث التغيير يتطلب ثورة على الواقع القائم، تواجه ترهل الأداء، وتخلق ثقافة مجتمعية تتسم بالوعي.
والدعوة لاستثمار الفرصة السكانية بدأت منذ سنوات، بيد أن التحضير لها غائب، ولكن من المجدي البدء برفع أداء المؤسسات، وإعادة تعريف الاقتصاد الأردني وتوجيهه بما يناسب عقلية المجتمع وقدراته، بعد أن أثبتت التجارب أن القطاع الأكثر نجاحا هو الخدمات؛ من صحة وتعليم وبنوك وتأمين وإعلام واتصالات، وتكنولوجيا معلومات، لقدرة الأردن على المنافسة في هذه المجالات.
وقبل كل ذلك، من الضروري وضع أرضية مناسبة للتطبيق، تتمثل في إصلاحات شاملة للتشريعات والقيم. إذ إن التحول مطلوب في عقلية الإدارة، بشكل يقلص التشوهات القائمة، ويعوض عنها بتغييرات إيجابية تدفع "الفرصة" إلى الأمام.
اليوم، ننتج كمجتمع كهل، ونسب العطاء لا تنسجم مع مجتمع فتي، فكيف سنصبح لو فوتنا الفرصة السكانية؟ (الغد)
علميا، يُطلق على هذه الحالة مسمى "الفرصة السكانية"؛ لأن التركيبة العمرية للبلد تعد بحق قيمة مضافة، يمكن لها أن تدعم الخطط الحكومية في إحداث التغيير المطلوب، من خلال استغلال طاقات الشباب واستثمارها بشكل حقيقي قبل أن تضيع الفرصة.
ومن ثم، فإنه بقدر ما يحمل ارتفاع نسبة الشباب أملا في إحداث تغيير منشود عبر استثمار الفرصة القابعة في ثناياه، فإن هذا الارتفاع يمثل أيضا، وبالنتيجة، تحديا كبيرا لجميع مؤسسات الدولة؛ الرسمية والخاصة، التي باتت تهتم أكثر بتشغيل الشباب، كونها تدرك مخاطر تعطلهم، خصوصاً بعد الثورات العربية والحراك الشبابي المطالب بالإصلاح.
الشباب الذين كانوا وقود الثورات في العامين الماضيين، يمكن أن يصبحوا محركاً للتنمية والتغيير الإيجابي والتدريجي، في حال تهيأت الظروف المواتية لتوجيه طاقاتهم وقدراتهم إلى الإنتاج، وصولاً إلى ترجمة أحلامهم بحياة أفضل ومستقبل آمن.
التحدي يمكن أن يتحول إلى فرصة حقيقية لتحقيق التنمية وزيادة الإنتاجية خلال العقدين المقبلين. إلا أن مرور هذه الفترة بدون تخطيط، سيضاعف المشاكل الشعبية والرسمية، بعد أن ترتفع نسبة كبار السن في المجتمع، ليصبح مجتمعا كهلا؛ ثلثا سكانه يحتاجون رعاية صحية أعلى، عدا عن الضعف الذي سيصيب عجلة الإنتاج.
ضمن المعطيات الحالية، لا يبدو أن الظروف جاهزة لاستثمار الفرصة السكانية؛ فنسب النمو الاقتصادي المتوقعة بحدود 3 %، بحسب التقديرات الحكومية والدولية، لا تكفي لخلق فرص عمل تستوعب النمو السكاني، وتستوعب رغبات الساعين إلى فرص العمل. كما أن الاستثمار المطلوب للغاية ذاتها قليل؛ إذ يعاني هذا المؤشر من تراجع كبير نتيجة الظروف الإقليمية والمحلية التي أدت إلى تثبيت تدفق رؤوس الأموال اللازمة لإنشاء استثمارات تستوعب التركيبة السكانية الشابة.
المؤشرات تسير بعكس المطلوب؛ فالبطالة ارتفعت خلال الفترة الماضية، رغم أن الوضع يتطلب تخفيضها؛ ومعدلات الإنتاجية ليس في أحسن أحوالها؛ والفقر في ازدياد؛ وإنشاء المشاريع تحد منه مخاوف أصحاب رؤوس الأموال، سواء كانت لأسباب مبررة أم لا.
رغم ذلك، فالفرصة ما تزال متاحة، لكن التحضير يجب أن لا يتأخر أكثر. فلا بد من خطة شاملة يشترك في بلورتها الجميع بدون استثناء، من القطاعين العام والخاص؛ فالكل له مصلحة بعدم تفويت الفرصة التي لا تتكرر. فيما حالة التشتت التي يمر بها البلد بكل مؤسساته تؤجل التفكير، وتولد أجواء من الإحباط والإهمال أحيانا، وسط تبادل الاتهام والتخلي عن المسؤوليات.
الميزة الديموغرافية نعمة، ويمكن استثمارها لزيادة الإنتاجية التي يعترف كثيرون بأن ضعفها يشوه صورة المجتمع، وهذه بالمناسبة حقيقة، لأن الأرقام تؤكد أن مستوى الإنتاجية لا يتجاوز 36 % من إجمالي طاقة العمل.
بعد عقدين، ستنقضي "الفرصة"، ولن تتوفر ذات الظروف لتحقيق النهضة المطلوبة. لكن إحداث التغيير يتطلب ثورة على الواقع القائم، تواجه ترهل الأداء، وتخلق ثقافة مجتمعية تتسم بالوعي.
والدعوة لاستثمار الفرصة السكانية بدأت منذ سنوات، بيد أن التحضير لها غائب، ولكن من المجدي البدء برفع أداء المؤسسات، وإعادة تعريف الاقتصاد الأردني وتوجيهه بما يناسب عقلية المجتمع وقدراته، بعد أن أثبتت التجارب أن القطاع الأكثر نجاحا هو الخدمات؛ من صحة وتعليم وبنوك وتأمين وإعلام واتصالات، وتكنولوجيا معلومات، لقدرة الأردن على المنافسة في هذه المجالات.
وقبل كل ذلك، من الضروري وضع أرضية مناسبة للتطبيق، تتمثل في إصلاحات شاملة للتشريعات والقيم. إذ إن التحول مطلوب في عقلية الإدارة، بشكل يقلص التشوهات القائمة، ويعوض عنها بتغييرات إيجابية تدفع "الفرصة" إلى الأمام.
اليوم، ننتج كمجتمع كهل، ونسب العطاء لا تنسجم مع مجتمع فتي، فكيف سنصبح لو فوتنا الفرصة السكانية؟ (الغد)