عالقون تقطعت بهم السبل.. أولوية وليست أحجية!
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية - ترتيب الأولويات لا يحتاج إلى مهارات استثنائية، أو إعجازات لوغاريتمية، أو وصفات سحرية خارقة. كل ما يتطلبه الأمر هو أخذ الضرورات الملحة بعين الاعتبار، والنظر إلى ما يفرضه الواقع على جداول الأعمال، دون استئذان.
الحكومة قررت ترتيب أولوياتها فيما يتعلق باستعادة المواطنين المتواجدين في الخارج بعيدا عن هذه المسألة البديهية، حيث وضعت فئة "من تقطعت بهم السبل" في ذيل القائمة، متناسية حقيقة أن ظرفهم الاستثنائي والطارئ، يحتم منحهم درجة الأولوية القصوى، التي لا تحتمل التأجيل على الإطلاق.
على عكس الطلبة، ليس لدى المواطن الذي تقطعت به السبل في إحدى المطارات، أو علق بإحدى الدول، أي مستقر ولو إلى حين. تواجد هذه الفئة خارج البلاد جاء نتيجة صدفة طارئة، فرضها إغلاق المطارات إثر انتشار جائحة الكورونا، ومعظمهم كان أساسا في طريقه للعودة، ولا يملك أي مسكن أو حتى مالا يكفي لتلبية الضرورات المعيشية اليومية، ما يجعل من مسألة استعادتهم على الفور، وقبل أية فئة أخرى، ضرورة تتجاوز المزاجية أو الرغبات.
منذ بداية الأزمة، كانت الحكومة تطور أداءها، وتسد الثغرات، عبر الاستفادة المستمرة من التغذية الراجعة، وتقييم وسائل عملها، وكيفية استجابتها للمستجدات، وذلك في سياق صيرورة عمل منسجمة مع معطيات الواقع. ولكن أمام هذا الملف، تقرر إدارة الظهر تماما لمنطق الضرورة، وعدم الالتفات إلى النداءات الملحة، المتعلقة بقضية العالقين الذين تقطعت بهم السبل، وكأنه لا توجد أية قيمة للأبعاد الإنسانية، أو حتى بديهيات الحس السليم!
النجاح في إدارة ملف الكورونا لا يقتصر على حصر بؤر الوباء والسيطرة عليه على المستوى الداخلي. العالقون خارج الوطن هم أردنيون أيضا، ولا يمكن فصلهم عن النسيج الوطني أو المكونات الإجتماعية للدولة. بالتأكيد لا بد من استعادة كل طالب وطالبة ممن دفعتهم الدراسة إلى اختيار الغربة، ولكن عودة من ألقت بهم المفاجآت في بلدان لا يوجد ما يربطهم بها يفترض أن تحتل أعلى سلم الأولويات.
نجاحنا لا يمكن أن يكتمل إلا باستعادة من تقطعت بهم السبل من العالقين في الخارج، فلا يعقل أبدا أن يتم استثناءهم وحذفهم من المعادلة، وأي تقدم في مواجهة الجائحة سيبقى ناقصا حتى ضمان سلامة أبنائنا وتأمينهم بأسرع وقت ممكن، فحياتهم لا تقل أهمية عن حياتنا داخل الوطن.
كيف يمكن تهميش هذه الفئة التي يعد كل يوم بالنسبة لها كعمر كامل من الانتظار في اللامكان؟! حتى وإن كان هنالك من هو مصاب بهذا المرض، فلا بد من استعادته على الفور، لتلقي العلاج اللازم. الحق في الحياة لا يمكن تجاهله أو تجاوزه مهما كانت الذرائع والمبررات، ولا يعقل أن يكون هنالك مسؤول قادر على تحمل خطيئة إزهاق روح بالتجاهل، أو العنت البيروقراطي!
كل ما يتطلبه الأمر هو الالتفات قليلا إلى ما يحدث على الأرض.. هنالك من هو عالق في مكان ما بلا مأوى، وقد لا يملك ثمن وجبة إفطاره، فهل يحتاج الأمر إلى عبقرية فوق العادة، لإدراك أن استعادته قبل غيره، يفترض أن تحتل أعلى سلم الأولويات!