القصبي وحياة الفهد على خُطا أعرابي زمزم؟!
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
روى الإمام ابن الجوزي – رحمه الله - حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه؛ إذ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم ،قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون، فما كان من الحجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: "أردت أن أُذكر ولو باللعنات".!!
ومع بشاعة هذا الفعل وفضاعته في آن واحد ،إلا أن هذا الأعرابي قد سطر اسمه في التأريخ رمزاً للسفالة والحماقة ،وإلا فما الذي دفعه لفعلته الشنعاء ،إلا حب الشهرة، ولو بالولوج من أحط الأبواب وأحقرها.
وبرغم كل ما في الفعل من بذاءة وصفاقة ،إلا أنه يتكرر في كل زمان ،فتلاميذ الأعرابي الذين تخرجوا من مدرسته كُثرٌ ،ينتهجون نهجه في فعل كل ما هو شاذ ومستهجن ومثير للجدل ،فقط ليقال هذا فلان الذي أتى بالغريب الشاذ.
لقد كَثُرَ في زماننا المتسورون على ثوابت الأمة وإرثها التاريخي ،وصار لهم نفاق وتسويق وانتشار عبر الفضائيات والشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي ،فإذا كانت مهمة عُمُّال النظافة في الشوارع كنس أوساخنا ،فإن أشباه هؤلاء "الممثلين"مهمتهم رمي أوساخهم ،التي يستترون خلفها لدوافع عديدة ،فمنهم من يزعم - والزعم مطية الكذب – أنه حريص على تطهير التراث العربي والإسلامي مما علق به من خرافات وأكاذيب بحسب زعمهم!!ومنهم من باع ضميره بدراهم بخسة ، ليطعن في ثوابت الأمة ومسلماتها.
وفي عصرنا الراهن ،أصبح فعل الأعرابي في زمزم سُنّة ،يحتذي بها بعض من استحسن فكرته السخيفة ،من ممثلين وصحفيين وكتاّب وروائيين ،فمع كثرة وسائل النشر الإعلامي التقليدية والإلكترونية ،أصبح لفت الانتباه وإثارة الغبار على الثوابت وتشويه الحقائق ،فرصة لأولئك الأقزام.
والناظر في حال الكثير من هواة الصعود ،يعمدون إلى الاستفادة من مدرسة ذاك الأعرابي، والاعتبار بمنهجه البراغماتي ،للدوس على كافة القيم والمبادئ ،من أجل شيء واحد ،لكي يحوز الشهرة ويبلغ المجد ،ولو ليقال هذا الذي بال في بئر زمزم .
غير آبه بما يترتب على ذلك من احتقار وشتم وإهانة ،والاستهانة والذم يهون أمام الذكر والمغالبة على حديث الناس.
وهذا ما لاحظناه وشاهدناه في المسلسلين اللذين يعرضان عبر فضائية MBC"" سيئة الذكر [أم هارون ،ومخرج 7] وقام ببطولتهما سيئا الذكر "ناصر القصبي والعجوز الشمطاء حياة الفهد " الذين أتقنا فيه وكاتبا المسلسلين ،درس الأعرابي، وتقيأوا المستور في داخلهم إلى عمق المفضوح، مما جعلهم في مواجهة عنيفة مع أبناء الأمة المخلصين.
إن بعض الطبول من الممثلين الذين باعوا ضمائرهم من أجل دريهمات ، يحرثون في زمن الجدب من أجل حصاد وافر ،وليس عندي ما أقوله لهم إلا ما كانت تقوله جدتي - رحمها الله - : (أنتم مثل الديك...بتعلفه..بتعلفه...ولما تيجي تذبحه ما يعشّيكيش ليلة)فانتم كـ"دِيكِ" جدتي. ،أكْثَروا لكم العلف ، لكنكم بقيتم بلا قيم ولا مبادئ.
فأنتم من ابتليت بكم هذه الأمّة ،من قادة الضياع الفكريّ ، والانحراف السلوكيّ ، والفساد والإفساد الأخلاقيّ في الأرض ، يؤازركم المنافقون المتشدّقون ، والجهلة المغفّلون ، الذين يستخدمون علمهم لتبرير فسادكم ، والتماس الأعذار للسقوط والانحراف ، وخلط الحقّ بالباطل ، حتّى تضيع معالم الحقيقة ،في نظر العامّة.
فإذا ما نجحتم أيها الأقزام في التسلل إلى حياتنا فعلى المخلصين الصادقين من أبناء الأمة قذفكم بالأحذية حتى تخرجوا من حياتنا ولا توسخوها.
آنَ الأوانُ لوضعِ حدٍّ لمنطقكم السافلِ ،لِنُجِلَيكم من حياتنا ،وأنْ نُنظِّفَ الجوَّ مِنكم أيها الجوعى ،يا من بعتم أنفسكم في سوق التخفيضات العاجلة. ومن قبل بيع نفسه فلا يضيره أن يبيع أمته.
ويبقى السؤال: كيف أصبح هؤلاء مشاهير على حساب ديننا وثقافتنا وثوابتنا وهم لا يمتلكون غير التفاهة؟
والجواب عند من لا ينطق عن الهوى ،رَسُولُكم - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الذي قال: « قَبْلَ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ ، يُصَدَّقُ فِيهِنَّ الكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهِنَّ الصَّادِقُ وَيَخُونُ فِيهِنَّ الأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ ،وَيَنْطِقُ فِيهِنَّ الرُّوَيْبِضَةُ ،قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : المَرْؤُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ.