سِياسَةُ الْتَنْفِيعِ مَأسَسَةً لِلْفَسَادِ
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
اعتقادٌ سائد عند الشعب الأردني بوجود فساد في مؤسسات الدولة الأردنيّة ، وأنه لا يقتصر على مسألةَ تجاوزات إدارية ومالية فقط ،يرتكبها أفرادٌ بدافع المصالح الشخصية، بل هو "فساد مزمن Chronic corruption"،ومتجذّر في هيكل النظام السياسي الأردني.
وهذا الاعتقاد الجازم لدى الشعب الأردني بوجود فساد في مؤسسات الدولة ونخبها السياسية ؛هو سياق لنظام متجدد".
وأعتَقدُ أنّ السبب الرئيس في انتاج الفساد واستدامته ،هو نظامُ التنفيع القائم على "الشبكات الزبونيّة"التي تحكم طبيعة العلاقات في مؤسسات وإدارات الدولة، حيث يتجذّر التنفيع في القِيم الاجتماعيّة المتمثلة في القرابة والروابط الأسرية والصداقة والبزنس السياسي إلى غير ذلك ،والتي غالباً ما تمنح النخبةَ السياسية الحاكمةَ أداةً استراتيجيةً للسيطرة على مفاصل الدولة ،وتوسيع شبكة مؤيديها ،التي أثرت إلى حد كبير في نمط إدارة الدولة.
وبدلاً من المضي في بناء المؤسسات على أساس الجدارة، أصبحت علاقة التنفيع مأسسة الفساد ، سِمَةً مميّزة للهيكل المؤسسي للدولة الأردنية ،وأداةً قويةً للإقصاء والاستيعاب ،حيث ارتبط التنفيع بأسلوب الحكم المشخصن وغير الخاضع للمساءلة الذي تنتهجه الطبقة السياسية الحاكمة.
ورغم كلّ ما يقال عن الجهودُ المبذولة لمكافحة الفساد في السنوات الأخيرة ،التي تتسم بطابعها السطحي "الفني" ،لم تفلح في كبح جماح الفساد ،بل ترتب عليها نتائج عكسية ،لأنها ساهمت بإعادة انتاج الفساد بأشكال جديدة أكثر حرفيّة ،وأيضاً أدت إلى مُواراةِ المسببات السياسيّة الجذريِّة للفساد ،مما أفقدها الثقة عند غالبية الشعب الأردني.
تعيين ابن رئيس وزراء سابق براتب خيالي قدره ستة آلاف دولار في الشهر، وسياسة التنفيع واستغلال النفوذ في التعيين ، وغياب القرار، وعدم وضوح الرؤية والمساومات السياسية التنفيعية في مقايضة النواب للتصويت على الثقة بالحكومة ،وطغيان الفساد ،الذي ضرب رقماً قياسياً في التاريخ السياسي الأردني ،قضى على أي بصيص أمل لانتشال البلد من وضعه الاقتصادي المتدهور والذي يعيش موتا سريريا منذ زمن.
واقع الحال تحكيه لنا هذه القصة المفترضة لعلها تستنهض واقعا مرا مثل العلقم :يُحكَي أنّ مدير مدرسة في دولة ما تزوج اخت "آذن" المدرسة، وبحكم المصاهرة ،أصبح الابن المدلل على حساب المصلحة العامة.
وكان المدير يكلف صهره الآذن بإشغال الحصة عن المعلم الغائب.
ولغياب الرقيب والحسيب قام مدير المدرسة بتثبيت صهره الآذن معلما في المدرسة ،وبمرور الوقت أصبح مدير المدرسة مديرا للتربية والتعلم، فقام تبتعيين صهره الآذن مديرا للمدرسة.
ثم أصبح مدير التربية وزيرا للتربية والتعلم، ليرقي صهره ليصبح مديرا للتربيه والتعليم.
وفي صبيحة يوم من الأيام وأثناء تصفحه إحدى الصحف ،وقع نظره على مانشيت مكتوب بخط عريض، : وزير التربية والتعليم ،يقرر تشكيل لجان لتقييم شهادات العاملين والعاملات ،وإعادة النظر بمواقعهم الوظيفية بعد الاطلاع على مستوياتهم العلمية والثقافية بوزارة التربية.
*ارتعدت فرائص الرجل وأصابه الذعر خوفا على نفسه ،فهو لا يحمل أي مؤهل علمي كما تعلمون، ولا شهاده لديه تؤهله للمنصب الذي هو فيه.
رفع سماعة التلفون فورا واتصل بصهره الوزير ،وقال له وهو يُتَأْتِئ : هل أغضبتك بشيء ما؟ ما هذا القرار الذي صدر عنك؟ فأنت الوحيد الذي يعلم الحقيقة!!
ضحك الوزير بصوت عال وقال له: لا تخف يا أهبل لقد وضعتك رئيساً للجان التقييم .
السئوال الذي يطرح نفسه ،أليس هذا هو نهج الدولة الأردنية وسياستها في التعيين؟!!