أَيُّهَا العَرَبُ..تَبًّا لَكُم وَتَبّ
إن الناظرَ اليومَ بعينِ البَصرِ والبَصِيرَةِ لِمَا حَلَّ بِغزةَ مِن قتلٍ وتدميرٍ وتخريبٍ وتهجيرٍ جرّاءَ خِذلانِنَا لهَا، وتجاهُلِنَا لِصرْخَاتِهَا وجِراحِهَا النازِفَة، فهِي تموتُ والعربُ والمسلمونَ والعالمُ أجمع سكوتٌ، ممَّا لا يسعُنِي والحالُ هكذا، إلّا أنْ ابصُقَ عليهم جميعًا لأقولَ: يا هؤلاء يا مَن تخليتُم عن غزةَ، وصَمَمْتُم آذانَكم عن صرخاتِهَا وعويلِها وآهاتِها، وأعميتُم عيونَكم عن دمارَها وغيّبتم أنفسَكُم عن صُمودِهَا ومُجابهتها، وتركتموها فريسة لمسخِ القردةِ والخنازيرِ تنهشُها كلاُب الأرضِ، وهي التي تُضحِّي مِن أجلِكم، مِن أجلِ كرامتِكم وسترِ عوراتِكم، لتقولَ لنا بلسان الحال والمقال:أنا لستُ بحاجتكم ولن أرجوكم ولن أنادِيكم ولن أستصرخكم، لن أقولَ وااعربا واإخوتاه واإسلاماه ، فأنا أعلم أنكم في سبات عميق، ولن يُوقِظَكُم شيءٌ، فلا دَمُ أطفالِي يَهزُّ ضمَائِرَكم، ولا جُوعُ شُيوخِي يُحرِّكُ دمعةً في مآقيكم، ولا جِراحُ حَرائِري يُؤثِّرُ فيكم، ولا هَدمُ بُيوتِي يُثيرُ حَمِيّتكم، ولا مَنعُ الدواءِ عن مرضاي يستدرُّ عطفَ قلوبكم، فصوتُ شخِيرِكُم يَملأُ الأكْوَان، فلا واإسلامَاه تُوقِظُكُم! ولا واعربَاه تلفتُ انتِبَاهَكم!.
فغزة هي الشَرِيفةُ العفيفةُ الوَحيدةُ بينَ أقوامٍ باعُوا الشَرفَ، فلن تتراجعَ، ولن تتنازلَ، ولن تتخاذلَ، ولن تعودَ من طريقها الذي اختارته بكامل إرادتها وعقلها وحكمتها. وشهداؤها الذين يرتقون كل يوم وجرحَاها الذين يزدادون عدداً كل دقيقة لخَيرُ شاهد.
أتدرون لماذا؟ لأنها لجأت إلى الله مصداقا لقوله تبارك وتعالى:﴿وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾
ولأنها فرّت إلى الله بيقين لا يهتزُّ ولا يتزعزع مصداقا لقوله تبارك وتعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}ذاريات50
وها هي غزةُ تستغيثُ ربّهَا كمَا استغاثَ نوحٌ ربّه فقالَ:(أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِر).
وترفع إليه أكفَّ الضراعَةِ دَاعيَةً:(للَّهُمّ إنْي أَشْكُو إِلَيْكَ ضِعْف قُوَّتي وَقِلَّة حِيلَتي وَهَوَانِي عَلَى النَّاس يَا أَرَحِم الرَّاحِمِينَ أَنْتَ رُبَّ الْمُسْتَضْعِفِينَ وَأَنْتَ رَبِّيٌّ إِلَى مَنْ تَكِلنِي إِلَى بِعِيد يَتَجَهَّمنِي أَمْ إِلَى عَدُوّ مَلِكَته أَمَرّي إِنْ لَمْ يَكُن بِكَ غَضَب عَلِيّ فَلَا أُبَالِي وَلَكِنَّ عَافِيَتكَ هِي أوْسَع لِي أَعَوَّذ بِنُور وَجْهكَ الَّذِي أَشْرَقَت بِهِ الظُّلْمَات وَصُلْح عَلَيْهُ أَمْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مِنْ أَنْ يَحُلّ بِي غَضَبكَ أَوْ يَحُلّ عَلِيّ سُخْطكَ لَكَ العتبى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِكَ).
*كنت أظن إلى عهدٍ قريبٍ، إلى ما قبلِ السابعِ مِن أكتوبر المَجيدِ، أنَّ المليارين أكثرُ مِنَ المِليونَين، حتّى جاءَتْ غزةُ وقلَبت المُعادلةِ، لتؤكِّدَ لنَا أنَّ المِليونَين أكثرُ مِنَ المِليارين، مِليونَا عربيّ مُسلمٍ في غزًّة يدافعون عن شَرَفِ مَا يزيدُ عن المليارين من العربِ والمسلمين، لِتُبَيِّن لنَا أنّ المليارين أصغرُ من المِليونَين.
فتبًّا لكُمْ أيّهَا العَربُ وَتَبّ
سَقطتُم فِي أودِيَةِ الخِيَانَةِ وَالذُلِّ والعُهرِّ وَالَحقَارَةِ
وأمريكا تَنظُرُ لِبلادِكُم مِثلّ فُندقٍ يُمَارِسُون فيهِ الدّعَارَة
واسرَائِيلُ تَرقُصُ طَربَاً لكِلّ مَن يَفتحِ لهًا فِي أرضِّها سَفَارَة
تبًا لأمَّةٍ تَعِيشُ في الهَوانِ والذُلّ والحَضِيضِ
أمّةٌ جِسْمُهَا مَحلُولٌ وقلبُهَا مَشلُولٌ وعَقلُهَا مَريضٌ
أمّةٌ تَحلُمُ برائِحةِ الجَنّةِ وهي تَفوحُ مِنهَا رائِحةُ المَراحِيضِ!!