هرمنا "يا سوريا" من أجل هذه اللحظة التاريخية
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
كانت هذه العبارة الأكثر تأثيراً، وتعبيرأ عن حالة شعورية نادرة، عبارة المواطن التونسي "أحمد الحفناوي" -رحمه الله- ليلة سقوط نظام سيئ الذكر"بن علي" قبل 14 عامًا من الزمن، وأصبحت العبارة بشكل عام، وكلمة "هرمنا" بشكل خاص، واسعة الاستخدام في أكثر من بلد عربي.
عادت بي الذاكرة للخلف قليلاً، عندما شاهدت فضائية الجزيرة، وهي تعرض مشهدا لرجل اشتعل رأسه شيبا، يصرخ بصوته المتهدج، وعينه الباكية، بعبارته"هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" التي خرجت من حنجرته كتعبير عن مدى الظلم والقهر الذي عانى منه الشعب التونسي، ومعه كل الشعوب العربية مجتمعة، حزيناً وفرحاً في نفس الوقت،حاله حال من قال :
أبكِي وأضحَكُ والحَالان واحِدَةٌ.. أطوي عَليها فؤادًا شفّهُ الألَمُ
فإن رأيتَ دمُوعِي وهي ضَاحِكَة.. فالدمعُ مِن زَحمَة الآلام يَبتَسِمُ
نعم أقولها وبحزن شديد، لقد هرمت الشعوب العربية، وهي تنتظر اللحظة التاريخية، التي ترى فيها سقوط الرؤوس الطافحة بالحقد والكراهية والإجرام لشعوبها، ومستعدة أن تقتل نصف شعوبها من أجل أن تبقي مؤخراتها ملتصقة بكرسي الحكم.
لذلك كانت هذه العبارة معبّرة عن الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وليس تونس فحسب، فالكلمة أضحت عابرة لكل الحدود.
اليوم وبعد مرور تلك السنوات العجاف على لحظتك التاريخية يا أحمد ، ها هو المشهد يعود ليكرر نفسه في "سوريا" ليخاطبوك بلسان الحال والمقال بكلمتك التي هزّت مشاعر الملايين، وكان لها إيقاعها المؤثر في ذاكرة التاريخ،:هرمنا يا أحمد ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية؟
لقد ابتُلِيت سوريا وعلَى ما يزيد عن نصف قرن، بكثيرٍ مِنَ البلايا وألوانٍ مِنَ الرزَايا ومِنْ أعظَمِهَا شَرَرًا وأكبرِهَا خَطرًا المقبور حافظ ومن بعده ابنه الطريد بشار.
فكان من أبجديات فكر "بشار" التي ارتكز عليها في تبرير أعماله المشينة وتحالفه مع الإيراني، التي ينبغي أن تُفنّد وتُفضح ويُرَد عليها فلا تعدو هذه الأبجديات سوى أفكارٍ خبيثة ٍ لُويت أعناقُها لِتوافق ما في نفسه من أطماع ،وما تتطلعُ إليه طموحاتُه من مكاسبَ .
فان من يحملُ فكرا مُنحرفاً ك"بشار" هو لا يخالفك في أنّ الخيانةَ والعمالةَ والتعاملَ مع العدو والاستعانةَ به على قتل الأنفس المعصومة أنها خيانة، ولكنها فهلوة وشطارة ،بل هي من الضروريات الحتميّة لخدمة أغراضه الشخصية.
ولهذا لا يحق لمن تلوثت يداه بعذابات السوريين والصعود على جماجمهم والمشي على أشلائهم ودمائهم وتقطيع أعضائهم، وتسليمهم لقمة سائغة للإيراني أن يحظى بأي شفقة أو عطف.
إنّ ادعاءَ محبة الوطن ونصرة قضاياه والخوف على أمنه وسيادته ليست بالتعاطي مع زناة الليل لتخريب البلاد، وقتل العباد، وهم يسترقون السمع على اغتصاب الوطن، والآلاف المؤلفة تركب بحر الموت، وتشق الوهاد والنجاد هربا من سكاكين الذبح والكيماوي.
لقد كان عليه أن يعلم أن بلاده مستهدفة في سيادتها، مستهدفة في مبادئها، مستهدفة في كيانها، مستهدفة في أخلاقها، وأن العدو الإيراني الحاقد يتحين الفرص ويتربص به الدوائر, وكل ما كان يعلمه هو الخيانة، وخدمة الجلاد انتظارا لمرحلة جديدة من وجبة الجلد، وبيد الجلاد ذاته .
لقد علمتنا الأيام أن كل من تراوده نفسه عَضُّ اليد التي مُدَّت له، لا بدّ له أنْ يلعقُ القدَم التي تركُلُهُ.
لقد هرمنا حتى رأينا هذه اللحظة التاريخية لينعم بها أهلنا على أرض "شامة الدنيا" سوريا الحبيبة بالحرية، والكرامة الإنسانية، وليقف الجامع الأموي شامخا عزيزا طاهرا من العويل والصراخ واللطم، ولينام أطفالها في أسرَّتِهم قريروا العيون هانيها، ببطون ملأى، وأحلام جميلة بمستقبل مضيء.
الله أكبر عاشت سوريا حرة أبية وليخسأ الخاسئون.