jo24_banner
jo24_banner

يَوُمُ الْمَوْلِدِ الْنَبَوِيّ اسْتِنْهَاضٌ لِعَزِيْمَةِ اْلْأُمَّةِ

د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :


ستحلُّ علينا يوم السبت، الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفي مناخٍ من التواضع والصمت، ذكرى أعظم مناسبة عرفها التاريخ، إنّها ذكرى مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولن نجدَ ما سيشيرُ إليها إلا أصبعًا واحدةً وهي:العطلة الرسمية، وذلك الاحتفال الرسمي الباهت، الذي لا يقدم ولا يؤخر.

تحلُّ علينا في الوقت الذي تعيش فيه الأمة، حالة من الانقسام المؤلم، الذي يحمل في ثناياه أكفان الخنوع المُذل والعار رغم كثرة عددها، ولكنها غثاء كغثاء السيل، حيث باتت لقمة سائغة في فم أعدائها.

تحلُّ علينا الذكرى، والأمة تحت سطوة المتغطرسين والمتآمرين والمتخاذلين والانقلابين والمتساقطين في منتصف الطريق؛ العاجزين عن مواصلة طريق الحرية نحو النصر والتمكين.

تحلُّ علينا الذكرى في القرن الواحد والعشرين، قرن الذل والعار، الذي تلهث فيه الأمة نحو التطبيع مع مسخ القردة والخنازير.

فما أحوج الأمة اليوم، لاستذكار سيرة المصطفى العطرة، واستلهام نهجه ومبادئه وقيمه التي حشدت الطاقات، ووظفت العقول، ولم تساوم على الحق.

لتبعثَ فيها مشاعر العزة والافتخار، وتجسدَ ارتباطها الوثيق برسولها الأعظم، وتأسيها بنهجه في وجه الشدائد والمحن، ولإيصال رسالة إلى أعدائها الذين يتطاولون على مقام نبيها –صلى الله عليه وسلم- بأنها أمة تعظم قائدها وأنه أحبَّ اليها مما سواه، فهي من ناصرته في الماضي، هي من تناصره في الحاضر والمستقبل.

ما من شك أن يوم ذكرى المولد النبوي الشريف، يوم اجتمعت فيه كل أسباب الشرف و الكمال، وإحياؤها يذكّر الأمة الإسلامية بأنها خير أمة أخرجت للناس، وأنها أمة الوسطية والاعتدال، وأمة خاتم الرسل التي نالت به الشرف العظيم، وهو يوم من أيام الله الذي مَنّ فيه جلّ جلاله على العباد بولادة الهادي البشير والسراج المنير الرحمة المهداة، وصدق الله القائل:«لَقَدْ مَنَّ[أنعم] اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ».

فيوم المولد النبوي الشريف، محطة وقود إيمانية للتزود والاستفادة منها في حياة المجتمع والفرد والقبيلة، كونها تعطي الدروس العملية في الأخلاق والجهاد والإخاء والتعاون والألفه فيما بين الأمة خصوصا وأن الأمة تعاني الامرين من المؤآمرات التي تحاك ضدها.

فلإحياء ذكرى مولد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أهمية كبرى للتعريف بدورالرسول الاعظم، والمشروع الذي أتى به وعلاقه الامة بهذا المشروع والتعريف بالمبادئ والقيم التي جاء بها الرسول وأرسى قواعدها وعلمنا إياها وضروره العمل بها.

ولإحياء الذكرى أهمية كبرى في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بالأمة، بعدما أوصلها المشروع الصهيوأمريكي إلى الحضيض، وركّعها وسلب خيراتها، وصار يتحكم في مقدراتها، ويعبث بحاضرها ومستقبلها.

وأمام هذا العبث والاستنزاف كان لا بد من استنهاض الإرادة الجمعية للأمة في وجه الغطرسة الصهيوأمريكية التي وَجَدتْ بأنّ أسهل ميدان لممارسة هذا الاستنزاف والاهانة بلاد العرب والمسلمين.

ولهذا كله، أصبح من الضروري، لا بل في مقام الواجبات الشرعية الكبرى، إحياء هذه المناسبة ”لكونه" استنهاضاً حقيقياً لوعي الأمة وعزيمتها لاستعادة عزتها بعدما تم تحويلها إلى قطيع خاضع للاستبداد ونهب المقدرات.

لأنه إن لم تستنهض الأمة بمصدر عزها وفخرها، نبي هذه الأمة الذي خاتم الأنبياء والمرسلين، ستبقى تائهة ضمن دوامة الحياة الهادرة، قال -عزّ من قائل-:﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[الجمعة: 2] وختم بقوله:"ذلك فضل الله” أي أن هذه الأمة التي بعث فيها خاتم الأنبياء وجعله منهم، لن تقوم لها قائمة إلا ببعثة محمد والبعثة جاءت بعد الولادة، ونحن سنعيش ذكرى هذه الولادة بعد سويعات بمشيئة الله، فلماذا لا نجعل من هذه المناسبة الجليلة، فرصة لاستنهاض الأمة، وإحياء القيم السامية والنبيلة، وتجديد الولاء لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والارتباط به؟! قال الفاروق عمر -رضي الله عنه-:[نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله] وهل مِن عزّة مِن غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!الذي قال الله فيه:[ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين]فعزّتنا من عزّة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

وأمام هذا القانون الرباني وسننه نجد أنّ الأمّة المؤمنة، أتباع الرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- تعيش المهانة والإذلال وها هي أساطيلهم ومساطليهم وطائراتهم تجوب بحارنا وأجواءنا وبرنا، ولا حرمة لنا ولبلداننا ولا لما تكتنزه أرضنا ولا لمستقبل أجيالنا، وأمام هذا التغول الاستعماري الكبير يجب استنهاض الأمة باحياء ذكرى مولد فخر الأمة، وجعلها محطة أساسية لاستنهاض الأمة.

فلنجعلها مادة تثقيفية وتعبوية إيمانية وروحية كبيرة، ولا نلتفت إلى نقيق من ينتمي لتيارِ النومِ ، والشخيرِ التاريخيِّ، والتعايشِ معَ الواقعِ الفاسدِ الظالمِ، الذي أملى على فضيلتِهم، أن يجعلوها بِدْعَة فِي الدِّينِ، بَينَمَا الاحتفالُ باليَومِ الوطَنِيِّ والاسْتِقلالِ، وَعِيدُ المِيْلادِ، حِتَّى وَلَو كانَ مِيْلادُ طَاغِيَةٍ، وإقامةُ مَهْرَجَانَاتِ الفِسْقِ والفُجُورِ، وَلَاءٌ وانْتِمَاءٌ، ووَاجِبٌ وَطَنِيٌّ .

لا أدْرِي، وحُقَّ لي ولكم أن لا ندري، لِمَاذَا سَقَطَ هَؤلاءِ مِنْ قِمَّةِ جَبَلِ الإِجْلالِ، والتَقْدِيرِ، وَسُمُوّ الاحتِرَامِ، إلى أسْفَلِ نُقْطَةٍ فِي الامْتِهَانِ، وَالإِهَانَةِ، وَالمُتَاجَرَةِ بِالدِّينِ؟!


 
تابعو الأردن 24 على google news