معالي وزير الأوقاف حجتك داحضة
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
تحسست رأسي عشر مرات، وأنا أستمع لما قاله وزير الأوقاف، تحسست رأسي كي أتأكدَ أنني لست نائمًا، أو تحت سلطة نعاس، لأنّ ما قاله فوق طاقة التصديق والاستيعاب.
وقلت في نفسي:هل صارت الممنوعات والخطوط الحمراء التي ارتضينا عدم تجاوزها، مجرد آثار على سطح ماء، تزول مع حركة الموج وارتفاع الزبد؟
أيعقل أن يصدر هذا الكلام، من رجل يتحلى بأعلى درجات الإحساس المعرفي، ويتبوأ أعلى درجات المسؤولية؟! .
أيعقل أن تكون امرأة علمانية أكثر إنصافا لكتاب الله منه؟! لقد كانت عملاقاً فوق كل الصغائر، عندما قالت:عن أهمية تعلم القرآن ما بين سن الثالثة والسادسة، أجمل ما قاله لسان شريف ،حتى خُيِّل لِي أنها أكثر حرصا من كثير من أصحاب اللحى الطويلة.
ففي مقابلة أجرتها احدى الفضائيات، مع خبيرة اللغويات الدكتورة سهير السكري، وهي أميركية من أصل عربي، عملت في هذا المجال لأكثر من 40 عاما كأستاذة للغويات في جامعة جورج تاون، وكذلك مترجمة في الامم المتحدة، وكان الموضوع الرئيسي للمقابلة لماذا أصبحت لغتنا العربية ضعيفة رغم انتشار المدارس بانواعها، بينما كانت أقوى في زمن الأمية و«الكتاتيب»؟.
قالت ما نصّه:لقد وجدت فرقا شاسعا بين طفلنا في العالم العربي، والطفل في العالم (المتقدم) فأطفالنا منذ ولادتهم وحتى وصولهم المدرسة، يتكلمون فقط اللهجة العامية التي اكتسبوها من الأم في البيت، والتي لا تتجاوز حصيلتها 3 آلاف كلمة، ما يعني حدودا ضيقة لمساحة التفكير والإبداع والتصور التي لا تتحقق إلا باللغة، بينما الطفل الغربي يدخل المدرسة في سن الثالثة بحصيلة لغوية تصل إلى 16 ألف كلمة, هذه المعلومة الصادمة التي عرفتها د.سهير السكري، أثارت الرعب والقلق والفضول لديها، واسترشدت على ما قالت: بكتاب اسمه «الإسلام الثوري لمؤلفه "Godfrey H. Jansenمن أن الانجليز والفرنسيين حينما اقتسموا تركة الرجل المريض، قاموا مشتركين بدراسة عن سبب قوة الفرد المسلم، الذي استطاع أن يغمر العالم من المحيط الاطلنطي الى فيينا وضواحي باريس الى الهند وادغال افريقيا.
فوجدوا أن الطفل المسلم من عمر3 سنوات الى 6 سنوات، يذهب الى الكتاب ويحفظ القران ،وبعدها من 6 الى 7 سنوات يدرس ألفية ابن مالك وهي 1000 بيت شعر والتي بها كل قواعد اللغة العربية الفصحى.
فيصبح هذا الطفل الذي لا يتجاوز 10 سنوات غير عادي بالنسبة للطفل الغربي ،حيث إن مفردات القرآن غير المكررة تبلغ حوالي ( 17500 ) وهي تؤسس لفهم كل مفردات اللغة العربية التي تصل الى أكثر من ( 12 مليون ) أي ما يعادل عشرين ضعفا لأوسع اللغات الأوروبية وهي الإنكليزية .
واستمر الكاتب بالقول:إنه بالمقارنة لما كان يكتسبه الطفل الأوروبي من مخزون لغوي في تلك الأيام ، فإن الفارق هائل، واعتقدوا أن ذلك قد يكون أحد أسباب تفوق الطفل المسلم، واقترحوا استهداف ذلك ، كواحد من إجراءات أخرى ثقافية وعسكرية وإعلامية ،للقضاء على ظاهرة الدولة الإسلامية التي بدا وكأنها ستدوم أكثر من كل الحضارات السابقة .
كما لاحظوا أن أحد عوامل مقاومة هذه الدولة للتفكك الداخلي،هو اللغة العربية التي توحد كل مكونات الدولة المتعددة القوميات،فكثير من العلماء من شعوب غير عربية تعلموا العربية وأنتجوا أبداعاتهم بها فوجدوا أن استهداف اللغة العربية بتشويهها صعب بسبب قوتها الهائلة، فكانت الفكرة بتشجيع إحلال اللهجات المحلية لتقليل استعمالها من جهة، ولإبعاد الشعوب العربية عن بعضها من جهة أخرى
الفرنسيون من جهتهم منعوا الكتاتيب في شمال أفريقيا، أما الانجليز فانتهجوا سياسة أخرى فقالوا: إن دول كمصر والأردن وفلسطين والسودان ،إن قلنا لهم: سنلغي حفظ القران والكتاتيب، سيتمردون علينا وبالتالي عمدوا على الغائها بطريقة غير مباشرة، فالغوا الكتاتيب واستبدلوها بالمدارس الحديثة ، حيث حرصت أن يكون مستوى هذه المدارس أقل في المكتسبات والمعارف العلمية التى كانت تلقن في الكتاتيب، وتقديم سن الالتحاق بها الى ست سنوات؛ وبالتالى نجح الانجليز في ضياع فترة تحصيل الطفل العربي اللغوية، وبالتالى عندما يذهب الطفل الى المدرسة في عمر الست سنوات، سيجد كلمات باللغة العربية الفصحى على غير ما تعلمه في البيت من كلمات عامية، مختلفة تماما عن المدرسة، فيجد الطفل اللغة العربية، وكأنها لغة غريبة عليه وصعبة التحصيل، ويبدأ مرحلة بغض لغته من الصغر، وبالتالى لن يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وقد ضاع منه اكثر من 77000 كلمة لغوية في سن مبكر.
فهل علمتم معاليكم سبب ضياع المنسوب المعرفي والثقافي اللغوي عند أبنائنا، وسبب انهيار قيمهم وسلوكهم في وقتنا الحاظر.
وفي الختام ،كل ما أرجوه لوزارة الأوقاف أن تكون الوجه المشرق الحامي والحافظ والراعي لكتاب الله، لا أن تكون -لا سمح الله- سبباً من أسباب الصدِّ عن كتاب الله، ومحاربة حفظته، وتعطٌل ُدور ومراكز القرآن الكريم.
وليعلم معاليكم ،أن المواقع والمناصب لا تدوم، فإمّا أن تكون قراراتنا وإجراءاتنا ُسنة حسنة في موازٌين أعمالنا، وإما أن ٌيطاردنا شؤمها في الدنيا والآخرة، فأنتَ على ثَغْرَةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ، فلا يُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد والرشاد والعون على كل خٌير وبر ومعروف.