ظاهرة التمرد المتطرف
د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : عندما انتفض المصريون على نظام مبارك الذي استمر في الحكم ما يزيد على ثلاثة عقود متوالية، لم تكن ثورة على شخص ولا قرار سياسيا أو إداريا، وإنما كانت ثورة على الظلم والتسلط والقهر والكبت، ثورة على منظومة حكم متوارثة، مستمدة من فلسفة الحكم الديكتاتوري المطلق، التي بقيت مسلطة على رقاب المصريين طوال الدهر، قائلة لهم: "ما علمت لكم من إله غيري وهذه الأنهار تجري من تحتي".
هدف الثورة الكبير يتمثل بإعادة السلطة للشعب، وأن يصبح المصري قادرا على اختيار الحاكم بحريّة تامة وإرادة مطلقة، وقد تحقق هذا الهدف وتم إنجازه بنجاح، واستطاع الشعب المصري أن ينتخب رئيس الدولة لأول مرة في تاريخ مصر القديم والحديث، ومن خلال معركة تنافسية حقيقية، محمومة وشرسة وحادة ودقيقة.
لا يجوز التقليل من هذا الإنجاز، ولا يجوز أن يتجرأ أحد يملك ذرة من عقل ومنطق ووطنية أن يحط من شأن هذا الهدف التاريخي العظيم، الذي يبعث على الفخر والاعتزاز والتسامي الذي يصل إلى مدارات نجوم أفقا وعلوا وانطلاقا في سماء الحريّة، والغارقون في العبودية وحدهم الذين لا يدركون عظمة هذا الإنجاز وسمو هذا الهدف.
هذا الإنجاز وضع مصر على عتبة جديدة، ونقلها نحو مرحلة مختلفة جذريا، تتيح المجال للشعب المصري القدرة على استبدال الحاكم بعد انتهاء دورته عبر انتخابات عامة قادمة من خلال تكرار معركة التنافس ذاتها بين القوى السياسية والمكونات الفعلية للشعب المصري، بعيدا عن منطق الفوضى والعنف والثورة والتمرد في كل مرة.
ليس ضروريا عندما يتمكن الشعب من الاختيار أن ينتقل إلى مصاف الدول العظمى دفعة واحدة، وأن يكون قادرا على التخلص من الفقر والبؤس والترهل والعجز والأمية "واسرائيل" بضربة عصا، كما فعل موسى عليه السلام عندما ضرب البحر، أو عندما قابل السحرة، بل يمكن القول أن انتخاب الرئيس عبر صناديق الاقتراع وضع مصر في بداية الطريق نحو البناء والإنجاز، وسوف تكون البداية صعبة وشاقة وقاسية وبطيئة ومملة، لأن سنن الكون تقول أن معركة البناء ليست كمعركة الهدم، من حيث السرعة واستهلاك الوقت.
الحد الأدنى من المنطق يقول: انه لا بد من إعطاء الرئيس المنتخب الفرصة التامة والكاملة أن يعمل على تحقيق برنامجه المعلن لمرحلة التأسيس الأولى، وأن يمنح كامل الصلاحيات الدستورية والقانونية على التنفيذ، فضلاً عن المنطق الذي يفرض التعاون وإسداء النصيحة المخلصة والمشورة الصادقة، نحو تحقيق المصلحة العامة، وترسيخ جذور الديمقراطية الوليدة، لأن الشجرة الباسقة ذات الأغصان العظيمة والظلال الوافرة بدأت بذرة مطمورة في الأرض انتجت برعمًا كان طريا ضعيفا عرضة لقصف الريح أو اعتداء عصفور صغير...، فهو يحتاج لرعاية كل الأطراف وجميع الأفراد، مهما اختلفت أفكارهم وميولهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم وأصولهم وأعراقهم...
الطريقة الوحيدة لتغيير الرئيس واستبداله بعد تمكين الشعب من انتخابه، هي عن طريق إقناع الشعب خلال المدة القادمة ببرامج جديدة وأفكار جديدة وأحزاب جديدة تخوض معركة التنافس الحر النزيه على نتائج صناديق الاقتراع، والفرصة الذهبية متاحة.
أعتقد أنه من باب التضيحة والعمل الفدائي الخارق، الإقدام على تحمل المسؤولية في بدء عملية التغيير، لصعوبة المهمة في ظل تراث الدولة العميقة الباقية بمؤسساتها وكادرها الوظيفي، وفي ظل غياب النظام المؤسسي المكتمل البناء وفقاً لفلسفة موّحدة ومنهجية واضحة تحظى بالإجماع، وفي ظل طموحات الجماهير الواسعة وآمالها العريضة بحلول سريعة لا تقبل الانتظار!!
إن إجماع قوى المعارضة المتحدة مع فلول النظام السابق وأصحاب المصالح المتضررة من زوال النظام السابق، الممزوج بالعداء الفكري والأيدولوجي للرئيس الجديد، على إفشال التجربة الجديدة واجهاضها من أول يوم وإعلان التمرد العام على طوال أيام السنة التي مرت على انتخاب الرئيس الجديد أمر لا يقره عقل ولا منطق ولا خلق على وجه الأرض، ولا تقره كل شرائع الأرض والسماء.
قد أخالف الرئيس ولا اتفق معه في بعض القرارات والسياسات ولكن هذا ليس مبرراً لممارسة العمى السياسي، والعقم الوطني والفوضى المستمرة بلا أفق ولا منطق، فهذا منطق المهزوم المنبت والمحبط اليائس القائل: "عليّ وعلى أعدائي يا رب".
(العرب اليوم)
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
هدف الثورة الكبير يتمثل بإعادة السلطة للشعب، وأن يصبح المصري قادرا على اختيار الحاكم بحريّة تامة وإرادة مطلقة، وقد تحقق هذا الهدف وتم إنجازه بنجاح، واستطاع الشعب المصري أن ينتخب رئيس الدولة لأول مرة في تاريخ مصر القديم والحديث، ومن خلال معركة تنافسية حقيقية، محمومة وشرسة وحادة ودقيقة.
لا يجوز التقليل من هذا الإنجاز، ولا يجوز أن يتجرأ أحد يملك ذرة من عقل ومنطق ووطنية أن يحط من شأن هذا الهدف التاريخي العظيم، الذي يبعث على الفخر والاعتزاز والتسامي الذي يصل إلى مدارات نجوم أفقا وعلوا وانطلاقا في سماء الحريّة، والغارقون في العبودية وحدهم الذين لا يدركون عظمة هذا الإنجاز وسمو هذا الهدف.
هذا الإنجاز وضع مصر على عتبة جديدة، ونقلها نحو مرحلة مختلفة جذريا، تتيح المجال للشعب المصري القدرة على استبدال الحاكم بعد انتهاء دورته عبر انتخابات عامة قادمة من خلال تكرار معركة التنافس ذاتها بين القوى السياسية والمكونات الفعلية للشعب المصري، بعيدا عن منطق الفوضى والعنف والثورة والتمرد في كل مرة.
ليس ضروريا عندما يتمكن الشعب من الاختيار أن ينتقل إلى مصاف الدول العظمى دفعة واحدة، وأن يكون قادرا على التخلص من الفقر والبؤس والترهل والعجز والأمية "واسرائيل" بضربة عصا، كما فعل موسى عليه السلام عندما ضرب البحر، أو عندما قابل السحرة، بل يمكن القول أن انتخاب الرئيس عبر صناديق الاقتراع وضع مصر في بداية الطريق نحو البناء والإنجاز، وسوف تكون البداية صعبة وشاقة وقاسية وبطيئة ومملة، لأن سنن الكون تقول أن معركة البناء ليست كمعركة الهدم، من حيث السرعة واستهلاك الوقت.
الحد الأدنى من المنطق يقول: انه لا بد من إعطاء الرئيس المنتخب الفرصة التامة والكاملة أن يعمل على تحقيق برنامجه المعلن لمرحلة التأسيس الأولى، وأن يمنح كامل الصلاحيات الدستورية والقانونية على التنفيذ، فضلاً عن المنطق الذي يفرض التعاون وإسداء النصيحة المخلصة والمشورة الصادقة، نحو تحقيق المصلحة العامة، وترسيخ جذور الديمقراطية الوليدة، لأن الشجرة الباسقة ذات الأغصان العظيمة والظلال الوافرة بدأت بذرة مطمورة في الأرض انتجت برعمًا كان طريا ضعيفا عرضة لقصف الريح أو اعتداء عصفور صغير...، فهو يحتاج لرعاية كل الأطراف وجميع الأفراد، مهما اختلفت أفكارهم وميولهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم وأصولهم وأعراقهم...
الطريقة الوحيدة لتغيير الرئيس واستبداله بعد تمكين الشعب من انتخابه، هي عن طريق إقناع الشعب خلال المدة القادمة ببرامج جديدة وأفكار جديدة وأحزاب جديدة تخوض معركة التنافس الحر النزيه على نتائج صناديق الاقتراع، والفرصة الذهبية متاحة.
أعتقد أنه من باب التضيحة والعمل الفدائي الخارق، الإقدام على تحمل المسؤولية في بدء عملية التغيير، لصعوبة المهمة في ظل تراث الدولة العميقة الباقية بمؤسساتها وكادرها الوظيفي، وفي ظل غياب النظام المؤسسي المكتمل البناء وفقاً لفلسفة موّحدة ومنهجية واضحة تحظى بالإجماع، وفي ظل طموحات الجماهير الواسعة وآمالها العريضة بحلول سريعة لا تقبل الانتظار!!
إن إجماع قوى المعارضة المتحدة مع فلول النظام السابق وأصحاب المصالح المتضررة من زوال النظام السابق، الممزوج بالعداء الفكري والأيدولوجي للرئيس الجديد، على إفشال التجربة الجديدة واجهاضها من أول يوم وإعلان التمرد العام على طوال أيام السنة التي مرت على انتخاب الرئيس الجديد أمر لا يقره عقل ولا منطق ولا خلق على وجه الأرض، ولا تقره كل شرائع الأرض والسماء.
قد أخالف الرئيس ولا اتفق معه في بعض القرارات والسياسات ولكن هذا ليس مبرراً لممارسة العمى السياسي، والعقم الوطني والفوضى المستمرة بلا أفق ولا منطق، فهذا منطق المهزوم المنبت والمحبط اليائس القائل: "عليّ وعلى أعدائي يا رب".
(العرب اليوم)
a.gharaybeh@alarabalyawm.net