الحكومة وتحويل الأزمة إلى فرصة
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
من المعيب جداً أن تمضي الأزمة كالتي نحن بها اليوم من دون أن نستفيد منها،وما إن كانت ستعيننا على فهم الحقيقة أم لا ،إن من بين أهم المكاسب التي استفدناه من هذه الأزمة ،التعرف وبصدق على حقيقة واقع من يدير الأزمة ، فتعتبر الأزمات محكاً حقيقيا لتقويم موضوعي لهذه البراغماتية ، ينماز من خلالها الجيد من الخبيث، ويبان فيها الصالح من الطالح، وتتعَرّى الثقافات التي بها عيوب، وتنكشف أقنعة من كانوا بناة أوطان وهمية ،والتي غشيت أبصار المهرجين والمطبيلين والمسحجين ،طوال عقود من الزمان.
فقد كانت أزمة كورونا "المبهمة" التي ما يزال الكثير يجهل حقيقتها ،المحك الواقعي لمعادن صناع القرار حيث تظهر حقيقتهم« إِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ» ففي هذه الأزمة ،اتضح دور الماكنة الإعلامية الجبارة التي أنفقت عليها الدولة الملايين ،ووطفتها في التوجيه والتاثير على الرأي العام ،فلو قُدِّرَ لأحد الباحثين الفرصة لمناقشة تأثير الإعلام على الرأي العام ،لوجد أن الصوت الإعلامي ،كاد يكون الأوحد المسموع ،بالمقارنة بوزن العقل في تحديد الحقيقة ،والتي اختبأت خلفه الحكومة طوال الأزمة.
ليتضح فيما بعد نوايا الحكومة ،ومحاولاتها تجيير الأزمة ،وتحويلها من محنة إلى منحة، ولكن بشكل "معكوس تماما" وهذا نوع فريد من إدارة الأزمات ،يصعب وجوده في أي حكومة أخرى غير الحكومة الأردنية ،المفطورة على حب الذات والتحدي ،من خلال سلسلة الإجراءات التي اتخذتها ،التي وجدت فيها فرصة الحل وفي مقدمتها دائما جيب المواطن المسحوق أصلا ،بمن فيهم موظفو الدولة المدنيين والعسكريين وقضم جزء غير يسير من رواتبهم ، ووقف دعم خبز الفقراء ،مما يضيف عبئا اضافيا على التحدي المتمثل في محاولة الإفلات من بؤس الحياة ،وضنك العيش حتى يسدد نقاتها.
كما اتضحت معالم "نواب الأمة" مِمّن يُفتَرضُ فيهم قيادة الشعب ،بحكم درايتهم ببواطن الأمور ، وكيف بدَوا كأشباحٍ هشَّةٍ – خيالاتٍ – شفّافةٍ ،لا يراها أحد ،هياكل شكليّةٍ ،لا علاقة لهم بمن يمثلون.
فهم ليسوا أكثر من إطار وبرواز للحكومةِ ،لا بل ديكور للزينةِ ،لتجميلِ وجهِ الحكومةِ الذي أفسدَهُ منهجها ،بعدَما تحوَّلَوا إلى زائدةٍ دوديةٍ للسلطةِ التنفيذيةِ ،وإلى مكانٍ تقضِي فيهِ الحكومةُ حاجَتَها عندَ اللزومِ.
إن نوابنا يعيشُون حالةَ موتٍ سياسيّ ،بسببِ عجزِهِم عنْ القيام بسلطاتهم وواجباتهم وظيفتهم ،أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة ،ليصدق فيه قول الله :[هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا؟].
وسيظلُّون في حالةِ نزاعٍ بينَ الموتِ السِياسِيِّ ،وتأخُّرِ مَرَاسِمِ الدَّفْنِ ،مِمَّا سَيُبْقِي الأردنَّ في مُعَانَاةٍ ، وحالةِ احتقانٍ اجتماعيٍّ تنذر بالخطرِ ،والذي حذَّرتُ مِنْهُ أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ – أدعو الله - جلَّ وَعلى أنْ يكتبَ لمسيرةِ الوطنِ مزيدًا من المنَعَةِ ، والازدهارِ والخير.