مَوْلَايَ لا نُرِيْدُ بَرْلَمَانًا ،كًيْ لًاْ تًصْدُمًنًا خًيْبَةُ الْأَمَلِ
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
مَوْلايَ جلالة المَلِكُ عبدُ اللهِ الثَانِي أعزَّ اللهُ مُلْكَهُ وَرَعَاهُ.
السّلَامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعْدُ:
لَمْ تُبْتَلَ أُمَّةٌ علَى وَجْهِ الأرْضِ ،بِمَجْلِسِ نُوَّابٍ مِثْلَمَا ابْتْلِيْنَا نَحنُ الشَّعْبَ الأردُنِيُّ ،فَكُلُّ شُعُوبِ الأرْضِ تَفْتَخِرُ بِتَارِيِخِهَا النِّيَابِيِّ،وتُحَاوِلُ أنْ تُبًيِّضَ مَا لَحِقَ بِهِ مِنْ أدْرَانِ وَسَلْبِيْاتِ ، لا بَلْ وَتُحَاوِلُ أنْ تُرَقِّعَ الصَّفَحَاتِ السُّودِ فِيْهِ .
أما نَحْنُ ،يا مولاي،فَلَيْسَ لَنَا إلَّا أنْ نَنْبُشَ المَاضِي لِنَسْتَخْرِجَ الصَّفَحَاتِ السَّوْدَاءِ لِمَجَالِسِنَا النِيَّابِيِّةِ ،لِنَعْكِسَهَا علَى حَاضِرِ مِجْلِسِنَا الذِي يَعِيشُ مَعَنَا ،وَنَعِيشُ مَعَهُ مَخَاضًا عَسِيرًا،حَتَّى أَصْبَحْنَا نَكْرَهُ سَمَاعَ كَلِمَةَ 'مَجْلِسْ نِيَابِيّ' وَنَتنَكَرُ لَهُ،لِأنَّه أصْبَحَ عِبْئًا نَفْسِيَّا ،واجْتِمَاعِيًّا،وَمَالِيَّا عَليْنَا وَعَلَى مُسْتَقْبَلِ وَطَنِنَا ،ودولتنا،وَأصْبَحَ مَصْدَرَ إِزْعَاجٍ لَنَا .
وبما أن صلاحية مجلسنا النيابي الحالي قد أوشكت على الانتهاء ،حاله كحال "المرحوم" المجلس السابق الذي كان [صورة طبق الأصل copy paste] ومرد ذلك يعود إلى الجينات المُكَوِّنةِ لهذهِ المجالسِ ، الذي دفع ضعفها الوطن إلى الهاوية والإفلاس والفشل.
مولاي :وبما أن مجلس النوّاب لا يملك قراره ،ويقع تحت وصاية جهات أخرى متنفذة ،تأمر فتطاع ،وتدير المجلس من وراء حجاب ،وبمقدورها تغيير قراره في أي لحظة تشاء، فما جدوى هكذا مجالس نيابية؟ وهل الشعب الأردني بحاجة لمثل هذه المجالس؟
باعتقادي انه لا داعي لمثل هكذا مجالس بمثل هذه المواصفات ،بعدما أصبحت عجينة بيد السلطة التنفيذية ،تشكلها كيفما تشاء ،وقت تشاء ،فأي قانون ترضى عنه الحكومة تحيله إلى مجلس النواب للتصويت عليه ،بعدما تضمن الموافقة عليه مسبقا ،وإذا لم ترض عنه ويخالف رغباتها تبقيه حبيسا في أدراجها .
مولاي :البرلمان الذي يدار بالريموت كنترول ،لا يمكن أن يكون برلماناً فاعلا ،يضع الشعب ثقته فيه ،ويأمن على مصالحه معه .
نحن في وضعٍ لا يمكنُ أنْ نتحدثَ فيهِ إلا عنْ برلمان( مُشَفَّر) ،تأتي به الحكومةُ وتصطنعهُ على عينِها "handmade" وبمقاسها ،فتحوَّل أعضاءَهُ من خدمةٍ للوطنِ إلى نقمةٍ على الوطنٍ ، برلمانٌ لا علاقةَ لهُ بالرقابةِ ولا بالتشريعِ ،له علاقةٌ بقولِ واحدٍ أنْ يقولَ : آمين ،لا لله ،وإنَّما للحكومةِ فقطْ.
مولاي : لقد دأبت كل الحكومات وأعوانها من "النواب" على إبقاء الناس في مستوى متردٍّ من الفكر والثقافة والوعي، لتجعلهم غرقى في حالٍ من الغفلة عن الوقائع والحوادث والحقائق، وتُنَصِّبُ لهم قيماً وموازين زائفة بدلاً من الموازين الحقّة ،كما يقومون بعملية خطيرة ،وهي غسلُ دماغٍ للشعب.
إن التزاوجِ المزدوجِ غير المشروع بين النواب والحكومة ،اعتراه ولادة منبوذة من المجتمع! كونه أنجب قوانين سفاح عادت بالضرر على البلاد والعباد.
لقد عاشت مجالسنا النيابية جميعها حالةَ موتٍ سياسيّ ،بسببِ عجزِهاِ عنْ تقديمِ أيِّ إشباعٍ ديمقراطيّ أو اقتصاديٍّ ،أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة.
فلم تعد أكثر من إطار أو برواز للحكومةِ ،أو ديكور للزينةِ ،وأعضاؤه دُمىً لتجميلِ وجهِ الحكومةِ ،من خلال البصمَ على مراسيمَ وقوانينَ تأتيهم جاهزةً من الحكومةِ.
وأنا على يقين ،بأن جلالتكم يرفض رفضا قاطعا أن يضع مصير شعبه ومقدراتِهم وحياتِهم ،في يد حِفنةٍ من المغامرين والمقامرين المتسلّين بمصير الشعب ،من أجل أطماعٍ شخصيةٍ وأغراضٍ وصولية.
هذه كلها مجتمعة ،دفعتني لأقول لك يا مولاي :لا نريد برلمانا يشبه أفراده الدمى المتحركة ، ويناصب أفراده العداء لأبناء شعبهم ،لكي لا تصدمنا خيبة الأمل.
حفِظَكُم الله ذخرًا ، وسندًا لشعبِكم ، وأمَّتِكم ،والسلام عليكم