jo24_banner
jo24_banner

تفعيل المجتمع وليس السيطرة عليه

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : ينبغي أن يفقه الإسلاميون أولاً، وكذلك القوى السياسية الأخرى، أن الإصلاح السياسي المطلوب عربياً، الذي يمثل الطريق الصحيح للتخلص من حقبة الاستبداد والفساد والتخلف، ومغادرة مرحلة الأنظمة القمعية، التي كانت سبباً في تأخر المنطقة كلها، تتمثل في القدرة على تفعيل المجتمعات العربية وتمكينها من إدارة نفسها، دون وصاية من أية جهة أيّاً كانت صفتها أو قدراتها.
الصراع المحتدم الذي نشاهده بين الفئات والأحزاب والقوى الظاهرة في البلدان العربية قبل الثورة وبعدها إنما هو نتيجة ثقافة سلطوية بائدة، تسيطر على العقلية السياسية العربية سواء أكانت في الحكم أو المعارضة، ترى أن الحكم أداة لفرض الأفكار والتوجهات، وترى أن السلطة هي السبيل لإخضاع المجتمع لفلسفتها السياسية والاقتصادية عن طريق استخدام القوة والنفوذ، بغض النظر عن كيفية الحصول عليها أو ممارستها.
في ظل هذا الفهم المنقوص للحرية، ترى كثيرا من الأطراف والقوى السياسية تتخذ من الديمقراطية وسيلة عملية لامتلاك القوة المشروعة، التي تؤهلها لاستخدام السلطة في فرض آرائها و فلسفتها، مع أن المعنى الجوهري للإصلاح المطلوب هو تغيير وظيفة السلطة لتصبح حارسة لحرية المجتمع، وأداة لتمكين الأفراد من ممارسة عقائدهم وأفكارهم بإرادة خالية من كل شوائب الإكراه أو العنف أو التعسف باستخدام السلطة.
الإسلاميون الذين تعرضوا للمطاردة والنفي والتعذيب والملاحقة طوال العقود السابقة على أيدي الحكام ورجال السلطة المستبدين الذين سرقوا الحكم خلسة من جماهيرهم، وأمعنوا في مصادرة الحريات وقمع الأحرار، أوصلهم إلى ضرورة العمل على تخليص المجتمع من هؤلاء الخاطفين، وعملوا طوال السنوات السابقة على إقناع الناس أفراداً وجماعات، على ضرورة استرداد المجتمع لحقوقه المسلوبة ومقدراته المهدورة، وفي الوقت نفسه بذلوا جهوداً مضنية أخرى لإقناع المجتمع بالحفاظ على هويته الثقافية وتراثه الحضاري، وبضرورة الفهم أن الإسلام هو الحل، بما يمتلك من مبادئ وقواعد صحيحة، ومنظومة قيم نبيلة، وبما يمتلكه من رصيد عملي واقعي، وتجارب ناجحة في إدارة المجتمعات البشرية.
تجارب الإسلاميين القاسية التي حفرت عميقاً بالذاكرة، أثرت تأثيراً واسعاً على ثقتهم بالآخر، خاصة أولئك الذين شاركوهم في صناعة الثورات والأحداث السابقة، ووقفوا خلفهم لتمكينهم من الحكم وممارسة السلطة، ولكنهم تعرضوا لخديعة مرّة لا تنسى، كما حدث في ثورة (52) المصرية، التي ما زالوا يدفعون ثمنها حتى هذه اللحظة، وهناك كتب كثيرة وروايات وقصص عديدة سطرها المؤرخون والكتاب والأدباء التي توثق تلك المرحلة من تاريخ مصر والعالم العربي الحديث، هذه التجارب القاسية جعلت الإسلاميين يرون ضرورة التقدم للسلطة وممارسة الحكم بأنفسهم.
من حق الإسلاميين الوصول الى السلطة، ومن حقهم ممارسة الحكم إذا كان ذلك عن طريق الاختيار الشعبي وعن طريق نتائج صناديق الاقتراع التي تعبّر عن الإرادة الجماهيرية بصدق ونزاهة وإرادة حرّة، وان الذين يحاولون عرقلة وصول الاسلاميين للحكم، أو تشويه صورتهم، وبذل كل الجهود الممكنة لافشالهم، هم نتاج ثقافة تسلطية قمعية، وثمار أفكار عبثية، لا تعرف الديمقراطية ولا تنتمي لعالم الحرية.
في هذا المقام يجب تنبيه الاسلاميين ألا يقعوا فريسة فهم خاطئ ومنهجية خاطئة، نتيجة هذا الصراع العبثي وغير العادل، ويستجيبوا للمواجهة المفروضة التي تأخذ شكل الصراع بين اسلاميين وغير اسلاميين، بل ينبغي أن يتمسك الاسلاميون بشعار تفعيل المجتمع وتمكينه من اختيار السلطة واختيار الأكفاء الأمناء الأقوياء، سواء أكانوا إسلاميين أو غير اسلاميين، وأن المعركة في حقيقتها ليست بين الأفكار وأصحاب الأفكار، وأنما المعركة ينبغي أن تكون بين أحرار ومستبدين.
الاسلاميون مدعوّون للبحث عن صيغ تشاركية جديدة، تطور قدرة المجتمع على العمل الجمعي، الذي يمكنهم جميعاً من تجاوز المرحلة معاً، وأن يطوّروا اطراً جديدة قادرة على استيعاب جميع الكفاءات والقدرات والتخصصات الكبيرة التي يختزنها المجتمع، دون تصنيف على الفكر أو الدين أو المذهب، لأن وظيفة القوى السياسية الحقيقية تتجلى في تمكين المجتمعات العربية من إدارة نفسها، وليس الاستيلاء على الحكم ولا السيطرة على المجتمع، لأن الإسلام يستمد قوته من مضامينه الفكرية، ومن قيمه النبيلة، وليس بحاجة الى القوة والعنف ليفرض نفسه.

a.gharaybeh@alarabalyawm.net


(العرب اليوم)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير