jo24_banner
jo24_banner

الْوَطَنُ يَعِيْشُ حَالِيًّا "أَزْمَةُ بَطّيْخٍ"

د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :


الطريقة المتبعة عند شراء بطيخة ،أن يقوم المشتري أو البائع بالطبطبة عليها ،أو اللحمسة ،للتأكد من حمرتها ،وحلاوتها ،على أساس أننا خبراء ببواطن الأشياء ،ونقرأ ونكشف عن الغيبيات ،ونفك الطلاسم .

ولهذه الطبطبة قصة ،يقول أحد الأشخاص ،أنه ذهب لشراء بطيخة من أحد الأسواق في بلد أوروبي، وكالعادة قام بالطبطبة على البطيخية المنوي شراؤها ،قال : "فرأتني فتاة جميلة من تلك البلاد ،وبادرتني بالسئوال ،لم تطبطب على البطيخة ؟ فقلت لها :حتى أتأكد من أنها حمراء وحلوة قالت:ممكن تساعدني وتطبطبلي على بطيخة لأشتريها ،فمن شدة فرحي أخذت ساقيّ تتراقصان ،وما كذّبتُ خبرا ،فشرعت بالطبطبة على البطيخ ،حتى وقع اختياري على واحدة ،وقلت لها :هذه حلوة مثل العسل ، شكرتني ،ثم قلت لها :أيّ وقت تريدين شراء بطيخة ،اتصلي عليّ ؟وأنا سآتيك فورا لأنني أسكن قريبا من هنا .

وقبل أن تغادر المكان ،سألتني من فضلك ممكن أعرف حضرتك من أي بلد ؟قلت لها وبكل فخر واعتزاز :أنا من بلد النشامى من الأردن ،فضحكت بصوت عال – قهقهت - وقالت:ممكن أقدم لك نصيحة ، قلت لها:تفضلي ،قالت:ما دام بتعرفوا البطيخ الأحمر من الأبيض من الطبطبة ،يا ريت قبل ما تختاروا سياسيكم ونوابكم ،وتوصلونهم إلى سدة الحكم ،أن تطبطبوا عليهم أحسن ما "يخوزقونكم" مثل كل مرة.

ذكرني هذا الموقف بهذه "القصة الجميلة" اخترتها من دفتر مذكراتي ،يحكى أن طائرة ركاب سقطت فوق غابات الأمازون، ومات جميع ركابها إلا ثلاثة، أحدهم أميركي والثاني روسي والثالث أردني .

فوقعوا في يد إحدى قبائل الهنود الحمر، وأحضروهم لزعيمها، وبما أنّ عُرْفَ القبيلة يبيح قتل الأجنبي ،فقد حكم الزعيم المسمى "الثور الجالس" على الثلاثة بالجلوس على الخازوق.

التفت الروسي الى الأميركي والأردني ،وقال:ـ نحن الروس أهل المبادرات السلمية في أحلك الأزمات، لذا سأطلق مبادرة علّها تلقى قبولا من الزعيم وتكون سببا في نجاتنا.

وافقه زميلا المحنة، فعرض مبادرته على "الثور الجالس"، مخاطبا إياه:ـ يا طويل العمر، ما رأيك في أن يطرح كل واحد منّا سؤالا واحدا على قبيلتكم الكريمة، فإذا عرفتم الجواب ، وجب الخازوق، وإذا لم تعرفوه، كان عليكم اطلاق سراحِ السائل.

هزّ الزعيم رأسه موافقا، فانبرى الأميركي وكلّه ثقة ليسأل: مّنْ هو كريستوفر كولومبوس؟

تشاور أفراد القبيلة مع زعيمهم الذي قال بعد هنيهة: إنه مكتشفنا.

طأطأ الأميركي رأسه وسار خائبا الى الخازوق. وجاء دور الروسي صاحب المبادرة، فسأل متذاكيا : من هو لينين؟ ولم يدر أن الرفيقة "انجيلا ديفز" قد طرقت أبواب القبيلة مرارا، فورا ردد بعض الصاعدين على أشجار الموز: انه قائد ثورة اكتوبر ومؤسس الاتحاد السوفياتي، وأنشدوا: لبناء عالم جديد ولقبر مشعلي الحروب ،في هدى اكتوبر المجيد سائر موكب الشعوب.

طأطأ الروسي رأسه وجروه الى الخازوق.

عندها لف " الأردني" شماغه الأحمر حول عنقه بكل ثقة، وزرر جاكيته، وأشعل سيجارة " L&M" وقال: جناب الثور الجالس.. ما عمل مجلس النواب الأردني؟

دخل الزعيم مسرعا الى خيمته وتبعه عشرة من حكماء القبيلة، اجتمعوا لساعات، ثم خرج زعيمهم مطأطأ الرأس قائلا: حقيقة لا نعرف! ولكن ما الجواب يَنْشْمِي؟

فأجابه الأردني : هذوله يا سيدي مثلكم، يجتمـعون ويجتمعـون،ثم بعد ذلك يطلعون بقرارات يخوزقون فيها الشعب الخايب.

*الخلاصة :لماذا نحسن الطبطبة في البطيخ ونعرف أن نختار ،وعندما نذهب إلى الانتخابات ،لا نحسن الطبطبة ونختار الفاشل والفاسد والأناني والمتربح والمتسلق والفج؟

لو كان اختيارنا لسياسينا ونوابنا على السكين ،كنّا عرفنا مين يلي بنفع ،من يلي ما بنفع .

الوطن يعيش حالياً (أزمة بطيخ) حجماً، ولوناً، وطعماً، وليس في أيدينا (سكين واحدة) نشقح بها البطيخة التي معنا، أو التي نريد شراءها ،فباعة البطيخ الكبار أخفوا (كل السكاكين) وعلينا القبول بالأمر الواقع.

لا أدري ،لماذ لا نقتدي بالغرب في تعاملهم مع البطيخ ؟ فهم يقطعون البطيخة إلى ستة أقسام إذا كانت متوسطة، وثمانية أقسام إذا كانت كبيرة، ويضعون كل قسم في غلاف نظيف،ً فهم لا يغشون في اللون، وأهم من ذلك أنهم لا يغشون في الطعم ،بعكس ما يجري في وطني الذي يغش في اللون، ويغش في الطعم، ثم يُقْسْمُ لك أنه لا يفعل أيّ شيء من هذا.

وختاما أقول:صار الوطن مع الأسف مثل بطيخة تتداولها الأيدي، وتدحرجها كما تريد، وأثناء الدحرجة تتعرض البطيخة للكسر، والوطن تتم دحرجته،وكسر ضلوعه، وجنوبه، وهو يصرخ ويئن من شدة الألم دون أن يجد من يسعفه!!.
تابعو الأردن 24 على google news