لا شيء يبرر القتل
جمانة غنيمات
جو 24 : لا شيء يبرر قتل المصريين الذين سقطوا فجر أمس على باب دار الحرس الجمهوري، فالجميع خاسرون؛ جيشا وإخواناً، وكذلك كل من يؤمن أن العنف سبيل لفرض أمر واقع وكسب الجولة.
العنف لا يجر إلا عنفا. والنافذة الصغيرة التي أُشرعت تلك الليلة، مرشحة لأن تفتح بوابة جهنم على مصر والإقليم، في حال لم تظهر إرادة صلبة من الجميع تُفشِل محاولات العديد من الجهات لاستدراج أرض الكنانة إلى مصير مجهول.
الغريب أن منظر الدم والقتل لم يؤثرا في كثيرين؛ فظل التحشيد والاستقطاب سيديّ الموقف حتى أمس! بل ولم يدفع ذلك القوى السياسية إلى الوقوف عنده، تنديدا واستنكارا، في استشعار مبكر لخطورة ما وقع، وهنا تكمن الكارثة في فكرة الاستباحة والاستباحة المضادة.
حتى تخرج مصر من الأزمة، وتُبعِد عن نفسها شبح الاقتتال الداخلي، يحتاج المصريون إلى أفق سياسي لحل أزمتهم قبل أن تستفحل، فتصل إلى حدود اللاعودة والعجز عن الاحتواء.
اليوم، الصراع في مصر على الشرعية، وكل يقدم نفسه على أنه صاحبها. إذ يرى فريق أنه صاحب شرعية صندوق الاقتراع، فيما يرى فريق آخر أنه يقبض على الشرعية الشعبية.
التنافس على الشرعية قَسَم مصر إلى شارعين متصارعين، تتصاعد بينهما حالة الاحتقان والغضب. والشارعان يضمان مسيّسين، كما يضمان عامة الناس الذي يتمثل كل ما يطمحون إليه في حياة كريمة وكرامة وعدالة اجتماعية.
مختلف الأطراف ارتكبت أخطاء كارثية شوهت ثورة المصريين. البدء كان في عام مضى؛ حينما غاب التوافق، واستأثر الإخوان المسلمون بالسلطة مُقّصين مختلف القوى السياسية الأخرى. والأخطر من ذلك أنّ الإخوان آثروا "التنظيم" على "النظام"، وعملوا على "أخونة" الدولة، وتعاملوا مع الشعب المصري على أنه تابع يحتاج دائما لمرشد!
بدوره، ارتكب الجيش، عقب عزل مرسي، أخطاء متعددة، بدءاً بحبس أول رئيس منتخب، واعتقال قيادات الإخوان، وحجب القنوات الإخبارية؛ ولتكون الخطيئة الكبرى بقتل عشرات المصريين، ما قلل من شأن حدث العَزْل الكبير على اعتبار أنه حركة مرتدة على سياسة الإخوان خلال عام من الحكم.
الرهان في هذه الحالة هو على الوعي الشعبي الذي انتفض، بعد عقود من حكم الأنظمة العرفية والفاسدة، على الظلم والقهر وغياب العدالة وانعدام العيش الكريم. والنحت في هذا الوعي ضرورة، بحيث لا يتشوه، فيأخذ منحى مواجهة بين مكونات المجتمع، بل يصل بمصر في نهاية الرحلة إلى شط الديمقراطية والتعددية.
منذ الثورة على نظام مبارك والبدء بالعملية الديمقراطية، ارتُكبت خطيئتان بحق شعب مصر؛ الأولى أقدم عليها الإخوان الذين لم ينجحوا في إقناع الشعب المصري بأن ماكينة العملية الديمقراطية مستمرة وماضية. أما الخطيئة الثانية، فارتكبها الجيش حينما استباح الدم المصري، وسعى إلى فرض قبضته على قوى سياسية وشبابية، واعتدى بالنار على نساء وأطفال وشباب مصر في أكثر من موقعة، لأن الإخوان وأنصارهم في نهاية الأمر ليسوا خصما سياسيا فحسب، بل هم جزء من الشعب المصري.
الجيش الذي كان للحظة نصيرا للشعب وللإرادة الشعبية، أضحى بين ليلة وضحاها جزءا من المشكلة، تماما مثل الإخوان الذين اعتمدوا الإقصاء سياسة لهم.
رغم بشاعة ما حدث أمس، إلا أن الفرصة ما تزال مواتية لعدم الانزلاق إلى اقتتال أهلي، إنْ تورطت فيه مصر، فلا عودة عنه إلا بعد بحر من الدماء.
دورة حياة الثورات تاريخيا تمر بمراحل ومنعطفات كثيرة، وصولا إلى بناء ديمقراطية حقيقية. وحالة الاستقطاب والانقسام رغم مراراتها وارتفاع كُلفها، ستفضي في النهاية إلى تغيير جوهري، يؤكد أن "الربيع العربي" لم يكن مؤامرة، بل بداية لعهد جديد. واليوم نحن في الموجة الثالثة من الثورة التي لا يليق بها بالتأكيد أن تنتهي بالعسكرة أو الأخونة.
(الغد)
العنف لا يجر إلا عنفا. والنافذة الصغيرة التي أُشرعت تلك الليلة، مرشحة لأن تفتح بوابة جهنم على مصر والإقليم، في حال لم تظهر إرادة صلبة من الجميع تُفشِل محاولات العديد من الجهات لاستدراج أرض الكنانة إلى مصير مجهول.
الغريب أن منظر الدم والقتل لم يؤثرا في كثيرين؛ فظل التحشيد والاستقطاب سيديّ الموقف حتى أمس! بل ولم يدفع ذلك القوى السياسية إلى الوقوف عنده، تنديدا واستنكارا، في استشعار مبكر لخطورة ما وقع، وهنا تكمن الكارثة في فكرة الاستباحة والاستباحة المضادة.
حتى تخرج مصر من الأزمة، وتُبعِد عن نفسها شبح الاقتتال الداخلي، يحتاج المصريون إلى أفق سياسي لحل أزمتهم قبل أن تستفحل، فتصل إلى حدود اللاعودة والعجز عن الاحتواء.
اليوم، الصراع في مصر على الشرعية، وكل يقدم نفسه على أنه صاحبها. إذ يرى فريق أنه صاحب شرعية صندوق الاقتراع، فيما يرى فريق آخر أنه يقبض على الشرعية الشعبية.
التنافس على الشرعية قَسَم مصر إلى شارعين متصارعين، تتصاعد بينهما حالة الاحتقان والغضب. والشارعان يضمان مسيّسين، كما يضمان عامة الناس الذي يتمثل كل ما يطمحون إليه في حياة كريمة وكرامة وعدالة اجتماعية.
مختلف الأطراف ارتكبت أخطاء كارثية شوهت ثورة المصريين. البدء كان في عام مضى؛ حينما غاب التوافق، واستأثر الإخوان المسلمون بالسلطة مُقّصين مختلف القوى السياسية الأخرى. والأخطر من ذلك أنّ الإخوان آثروا "التنظيم" على "النظام"، وعملوا على "أخونة" الدولة، وتعاملوا مع الشعب المصري على أنه تابع يحتاج دائما لمرشد!
بدوره، ارتكب الجيش، عقب عزل مرسي، أخطاء متعددة، بدءاً بحبس أول رئيس منتخب، واعتقال قيادات الإخوان، وحجب القنوات الإخبارية؛ ولتكون الخطيئة الكبرى بقتل عشرات المصريين، ما قلل من شأن حدث العَزْل الكبير على اعتبار أنه حركة مرتدة على سياسة الإخوان خلال عام من الحكم.
الرهان في هذه الحالة هو على الوعي الشعبي الذي انتفض، بعد عقود من حكم الأنظمة العرفية والفاسدة، على الظلم والقهر وغياب العدالة وانعدام العيش الكريم. والنحت في هذا الوعي ضرورة، بحيث لا يتشوه، فيأخذ منحى مواجهة بين مكونات المجتمع، بل يصل بمصر في نهاية الرحلة إلى شط الديمقراطية والتعددية.
منذ الثورة على نظام مبارك والبدء بالعملية الديمقراطية، ارتُكبت خطيئتان بحق شعب مصر؛ الأولى أقدم عليها الإخوان الذين لم ينجحوا في إقناع الشعب المصري بأن ماكينة العملية الديمقراطية مستمرة وماضية. أما الخطيئة الثانية، فارتكبها الجيش حينما استباح الدم المصري، وسعى إلى فرض قبضته على قوى سياسية وشبابية، واعتدى بالنار على نساء وأطفال وشباب مصر في أكثر من موقعة، لأن الإخوان وأنصارهم في نهاية الأمر ليسوا خصما سياسيا فحسب، بل هم جزء من الشعب المصري.
الجيش الذي كان للحظة نصيرا للشعب وللإرادة الشعبية، أضحى بين ليلة وضحاها جزءا من المشكلة، تماما مثل الإخوان الذين اعتمدوا الإقصاء سياسة لهم.
رغم بشاعة ما حدث أمس، إلا أن الفرصة ما تزال مواتية لعدم الانزلاق إلى اقتتال أهلي، إنْ تورطت فيه مصر، فلا عودة عنه إلا بعد بحر من الدماء.
دورة حياة الثورات تاريخيا تمر بمراحل ومنعطفات كثيرة، وصولا إلى بناء ديمقراطية حقيقية. وحالة الاستقطاب والانقسام رغم مراراتها وارتفاع كُلفها، ستفضي في النهاية إلى تغيير جوهري، يؤكد أن "الربيع العربي" لم يكن مؤامرة، بل بداية لعهد جديد. واليوم نحن في الموجة الثالثة من الثورة التي لا يليق بها بالتأكيد أن تنتهي بالعسكرة أو الأخونة.
(الغد)