لَطْمِيّةً الْمُوَازَنَةُ فِيْ حُسَيْنِيَةِ مَجْلِسِ النُوّابَ
د. منتصر بركات الزعبي
جو 24 :
الحقيقة المجردة اقوى بكثير من الاستعراضاتِ البائِسةِ للنواب التي تنقل عبر الفضائيات ،حيث التناقض الكبير بين القول والفعل ،فإلى متى ستبقى الملامح المصطنعه توظف في خداع الشعب ؟! والى متى الكلمات الناعمه ستبقى تخدع الخائفين ،وإلى متى سيبقى تجار الكلمة ؟ فكل مَن خَالَفَ قَولُهُ فِعلَهُ فَإِنَّمَا يُوبِّخُ نَفسَهُ .
فما مِنْ مَشْهَدٍ يتَّسمُ بهذا القدْرِ الهائلِ من العجائبِ والغرائبِ ،كالمشهدِ الأردنِيِّ ،وما مِنْ بلدٍ شاعَ فيه البصِّيمة كالأردنِّ ،وما مِن بلدٍ فيه:"الكَذِبُ مِلْح الرِجالِ وَعيبْ على اللي يصدق مثل الأردنّ ".
ما مِنْ شيءٍ غريبٍ في الأردنَّ ،وما مِنْ شيءٍ لا يمكنُ فِعْله في الأردنِّ ،في الأردنِّ يقولُ النوابُ والساسةُ عكسَ ما يفعلون ،ويفعلونَ عكسَ ما يقولون ،ويُخطئُ مَنْ يتصورُ أنَّ الناسَ يصدِّقون .
في الأردنّ أصبحَ مجلسُ النوّابِ حسينية للطميات ، ومَسرحاً مفتوحاً لِممَارسةِ كلِّ فنٍ مِن دونِ حسابٍ .
الأردنُّ البلدُ الوحيد في العالمِ ،الذي يحاول فيه النوابُ الضحكَ على ذقونِ الشّعبِ ، ليسَ لتأكيدِ هذهِ البديهياتِ المعروفةِ مِن قِبَلِ الناسِ ،وإنّما لأنّ مثل هذا الفعلِ يتمُّ للتسويقِ الإعلانِيِّ المقبوحِ .
لَكَمْ تبدو تمثليةٌ ساخرةٌ تلك التي تجري أحداثُها على مسرِح البرلمانِ الأردنِيِّ أثناءَ مناقشةِ الموازنةِ العامّة ،حينما يتبارى الخطباءُ بالّلطمِ والنواحِ والعويلِ والصراخِ وفردِ العضلاتِ ،وإذا بهم في نهايةِ الحفلِ يمنحونَ الحكومةَ صكوكَ الغفران ليصدقَ قول اللهُ فيهم:(وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) الأعراف/102
كّمْ سيبدو احتفالُ البرلمانِ مُضحكاُ بإنجازه هذا ؟ إنّنا أمامَ نموذجٍ مخجلٍ ، يندى له جبينُ الكريمِ , ويضيقُ به صدرُ الحليمِ .
إنّها الثنائية - الفِصامُ – الشيزوفرينيا Schizophrenia في السلوكِ وفي الفكرِ ،تجدُ الواحدَ منهم في داخلهِ نائبٌ كاملٌ ،مؤمنٌ بحقوقِ الشعبِ وتوابعِ ذلك كلِّهِ ،ولربما نافحَ وجادلَ عن هذهِ الحقائقِ أكثرَ ممّا ينافحُ ويجادلُ عنها أي مواطنٍ ،وهو الإنسانُ الذي إذا ناقشْتَه فيما يقعُ عليهِ من مسؤولياتٍ وتبعاتٍ اتجاه الشعبِ تجده ذا لسانٍ زَلقٍ وفكرِ مستنيرٍ ،حتى إذا نظرتَ إلى واقِعِه السلوكِيِّ وجدْتَه شاردًا إلا فيما ندرَ عن صراطِ الشعبِ ،ووجدته في تعاطيهِ مع الحكومةِ يجنحُ إلى مصالحهِ الشخصيّةِ وإن اقتضى ذلكَ أنْ يبيعَ الشعبَ وأنْ يَغِشَّ وأنْ يخدعَ وأنْ يكذبَ وأنْ يماري.
هذا المعنى حذرُنا منه الحقُّ – جلَّ جلالُهُ - في قولِهِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) ﴾الصف.