جهود اعلامية تستحق التقدير والاحترام
حاتم الأزرعي
جو 24 :
تحفل وسائل الإعلام والاتصال على اختلافها ،بسيل دافق من الاخبار والتقارير والمقالات والتحقيقات والحوارات والاراء والمواقف والمقترحات ،وتتناول بمجملها موضوعات وقضايا محددة تخص وزارات ومؤسسات بعينها ، وتبذل في سبيل اعدادها ونشرها جهودا مضنية .
ويقوم على اعداد هذه المواد صحفيون واعلاميون واكاديميون وكتاب ومواطنون يشغلهم الوطن ويحرصون على امنه وامان اهله وناسه، وتمتعهم بحقوقهم التي كفلها الدستور وتحميها القوانين من اي اعتداء او تغول قد تمارسه السلطات واهمها التنفيذية.
ومما لا شك فيه ان وسائل الاعلام تعتبر ركيزة رئيسة في تقدم المجتمع وتطوره ، فضلا عن انها من اهم ركائز التقدم الحضاري وتحقيق التنمية بمفهومها الشامل ،وتدعيم اركان الدول ،وحمايتها من مدمني السلطة وحراس الاصنام وعبدتها ! .
اسوق هذه المقدمة ،وفي ذهني ردات الفعل الغاضبة التي تخرج عن نطاق الادب والتهذيب والأصول المهنية الراقية ،كلما تصدت الحكومة ومسؤوليها وانبرت اقلامهم الصدءة والمهترءة في الدفاع عن قرارات الحكومة وإجراءاتها بالسب والشتم وكيل التهم جزافا على عواهنها ، لمجرد اظهار بطولة زائفة في الدفاع عن الصنم !.
مطلع الاسبوع الحالي، وتحديدا يوم السبت عقب فك حظر يوم الجمعه، "استنفر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وزراءه ، ودفع بسبعة منهم إلى قاعة المؤتمرات ليُوجهوا خطابا غير مسبوق إلى الشعب الأردني بما تضمنه من تأنيب ولغة وعيد وتهديد" ،تحت ذريعة عدم الالتزام بأجراءات الصحة والسلامة العامة وخرق اوامر الدفاع ،الامر الذي من شأنه انتشار فيروس كرونا .
واثارت تصريحات الوزراء حفيظة المواطنين واشعلت نيران منصات التواصل الاجتماعي ، ولقيت نقدا لاذعا من وسائل الإعلام وطلائعها الاكثر حضورا من الكتاب والصحفيين المتمرسين ، واختزل محرر الشؤون السياسية في جو ٢٤ المشهد بوصف ما جرى بعنوان مانع جامع جاء فيه "عسكرتاريا حكومية ..لغة استعلائية لا تستخدم مع الاردنيين" ،وهو بذلك عبر عن مجمل حالة السخط التي اعترت الشارع الاردني وحركت قواه لرفض لغة الخطاب الرسمي التي لا تليق بشعبنا المثقف الواعي الحر الآبي .
وللحقيقة فإن ردود فعل وسائل الإعلام والكتاب والصحفيين وآراء الناس تجاه لغة الخطاب الرسمي لم تخرج عن نطاق الحوار الراقي والتعابير الرصينة والمواقف الشجاعة في رفض المساس بمشاعر الناس وضرورة مخاطبتهم بلباقة بعيدا عن لغة "التهديد والوعيد" والتلويح بالعصا وجر الناس مجددا الى بيت الطاعة في كنف الحظر والحبس في المنازل وعدم الخروج منها .
وتقتضي امانة الكتابة وموضوعية السرد والالتزام بالشفافية والمصداقية ومعايير النزاهة ان اشير الى ان العديد من الوزراء مدار الحديث ،اوضحوا تصريحا وتلميحا ،مباشرة ومواربة ،انهم لم يقصدوا الاساءة او استخدام لغة التهديد والوعيد ،وانما عبروا عن عدم الارتياح لمخالفة الناس لاوامر الدفاع ،وان ذلك يعرض المجتمع لخطر العودة لمربع الحظر الذي لا يريده احد .
ومثلما من حق الناس ان تعبر عن الرأي بحرية في إطار المسؤولية المجتمعية وعدم الاضرار بالمصالح الوطنية العليا ،فإن من حق الحكومة الرد والتوضيح وتبيان الحقائق لكن بمنتهى الكياسة والادب الجم وعدم الاستخفاف او الاستهزاء وبعيدا عن السب والشتم وإطلاق الاوصاف والنعوت السيئة على كل من ينتقد نهجها او يعارض وجهة نظرها .
اما خروج وسائل الإعلام او الحكومة على ابجديات الحوار ومبادئ التعبير عن الراي ومعايير الشفافية والمصداقية والنزاهة ،فهو مرفوض ومدان ،وفي هذا السياق استغرب تصريح محافظ العاصمة سعد شهاب في محاولته الدفاع عن وزير الداخلية سمير مبيضين ،الذي اعتقد انه قادر تماما على الحديث عن نفسه وايضاح رسائله وإيصالها لمبتغاها بايسر الطرق وابسطها واسمعها.
يقول محافظ العاصمة : " ان رسالة وزير الداخلية سمير مبيضين في المؤتمر الصحفي مساء السبت لم تكن رسالة تهديد ، ولكن فسرها بعض المغرضين بذلك ". ولست ادري لماذا لجأ المحافظ الى هذه اللغة الهجومية الحادة في التعبير عن وجهة نظره الخاصة ولست اعتقد ان وزير الداخلية كلفه بالحديث نيابة عنه في تفسير ما جاء على لسانه خلال المؤتمر الصحفي !!.
واستغرب لماذا يصف المحافظ اصحاب الراي والكتاب والصحفيين والذين أبدوا وجهة نظرهم حيال تصريحات الوزراء في المؤتمر الصحفي "بالمغرضين " اليس في ذلك تجن عليهم وخلط للاوراق وصب للزيت على نار مشتعلة يسعى الاحرار من ابناء وطني لاخمادها ،ولا يخامرني ادنى شك بان وزير داخليتنا ومحافظنا في مقدمة من يحملون دلاء الماء لاطفاء الحريق !! .
وباختصار شديد فإن ما تحفل به وسائل الإعلام الوازنة ومنصات التواصل الاجتماعي الراكزة الرصينة، من معلومات ومواد اعلامية وآراء ووجهات نظر ،تستحق الاحترام والتقدير ،وتشكل معينا وعينا ترى فيها وزارات الدولة ومؤسساتها نقاط قوتها فتعززها وعيوبها ونقاط ضعفها فتتلافاها ، كي لا تسقط في الحضيض .
ومن المؤسف ان يأخذ بعض المسؤولين في الحكومة خطا معاديا للاعلام ونهجا مستمرا في الصدام وأفتعال المعارك الدونكوشتية معه ، وفي كل مره ،وعقب كل معركة تفقد الحكومة بعض من هيبتها ، وإذا ارادت ان تحافظ على الباقي منها ، فإن الطريق إلى ذلك لن يكون سالكا ومتاحا الا بالمصالحة مع وسائل الإعلام ،واحترام الاقلام، وحرية الراي والتعبير ، واختيار لغة خطاب تحترم الناس وتصون كرامتهم .