الصورة قبيحة
جمانة غنيمات
جو 24 : لِهول الصدمة، استعرضت صور "مجزرة" ماركا التي وقعت أول من أمس، أكثر من مرة. ولم يستطع عقلي تصديق أن كل هذا الدم والقتل هنا في عمان!
المنظر مثير للاشمئزاز حدّ القرف. فالصور التي نُشرت للحادث، والتقطها الزميل حمزة المزرعاوي، تكشف كم اختُزِن في دواخل هؤلاء الشباب من مشاعر كراهية وحقد؛ إذ لا يقدم إنسان عادي، حتى لو كان من أصحاب الأسبقيات، على كل هذه الدموية مهما كانت الأسباب والدوافع.
حصيلة المجزرة قتيلان وإصابات بالغة. والمعركة استُخدمت فيها الأسلحة البيضاء، مع التهديد بتفجير أسطوانات غاز، والتي لو استخدمت كما هدد الشباب، لكانت المصيبة أكبر.
ولشدة الاشتباك، لم يستطع الأمن العام السيطرة على الوضع، ليتمّ الاستعانة بالدرك.
من النتائج والصور يتضح أن المعركة لم تنته إلا بعد أن صفّى طرفا المشاجرة بعضهما بعضا، فلم يخرج منها أحد سليما.
الصور مرعبة، تذكّر بما يحدث في سورية بالدرجة الأولى من قتل وتنكيل، ومصر بدرجة أقل؛ شباب ملقون على الأرض بدمائهم، جميعهم غائبون عن الوعي، وبعضهم فارق الحياة.
وسط كل هذا العنف، تبدو المطالبة بدولة القانون وتطبيقه سطحية؛ فالمشكلة اليوم أكبر، وثمة فئة من المجتمع فقدت حِسّها الإنساني، بعد أن بلغ بعض شبابنا هذا الفكر والسلوك الذي يعكس مقدار الدمار الذي لحق بمجتمعهم.
المطلوب اليوم البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، والتي أوصلت شبابا أردنيين إلى هذا الحد الخطير. فمن قضوا في المجزرة، أو من أصيبوا خلالها، ليسوا وحدهم من يمتلكون هذا المقدار من الكراهية والانتقام؛ بالتأكيد بيننا آخرون لحق بهم العطب.
تتضاعف الخطورة في ظل تركيبة المجتمع الأردني الشاب؛ إذ ينخفض عمر ثلثي سكانه عن الأربعين سنة، أي سن الشباب. فالعوامل التي أوصلت هؤلاء الفتية إلى هذه الحالة، قد أوصلت غيرهم، بالتأكيد، إلى المنطقة نفسها.
ولا بد من البحث عن هؤلاء الشباب الذين كانوا ضحايا لوضع عام اجتماعي وسياسي واقتصادي، تزامن مع تراخي الحكومات في تطبيق القانون، وتراجع للمعايير الأخلاقية التي تنظم علاقة المجتمع ببعضه، ما أدى إلى تدمير فئة من المجتمع باتت تؤمن أنّ أخذ الحق يكون باليد و"الخاوة"، وأنّ الحديث عن دولة القانون ليس إلا ترهات، لا قيمة لها حتى عند الحكومات التي تتغنى بها، طالما أن بعضا من مجتمعنا كفر بالحكومات وسياساتها، وبقوانينها التي تطبقها بمزاجية.
قبل ماركا كانت معان؛ وحينما شاهدنا شريط فيديو يعرض جزءا مما حدث في الجنوب، أُصبنا بالذعر والرعب، لأن مثل هذه الأحداث تكشف كم خسر المجتمع من مكانته الإنسانية والأخلاقية.
العلاج اليوم لا يكفيه رفع شعار تطبيق القانون؛ فالخراب كبير، وبحاجة إلى أكثر من يدٍ عليا.
التهتك الذي أصاب المجتمع بدأ يتضح أكثر فأكثر. وبين حين وآخر، تأتي حادثة تؤكد لنا أننا تغيّرنا، وأنّ الحديثَ عن المجتمع المتصالح والمسالم ليس إلا قولا من الماضي. ومعالجة الاختلال الذي أصاب المجتمع ومنظومته، بحاجة إلى اعتراف أولا بما حدث، وتشخيص الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومن ثمّ وضع العلاج الشامل لمرض العنف الذي ينخر أمننا وأماننا.
لم يعد الإنكار مقبولاً، وكذلك اعتبار كل حادث منفصلا عن الآخر. بل لا بد من التشبيك بين الأحداث جميعها، لرسم صورة متكاملة تجمع الأحداث المشابهة التي وقعت في مناطق مختلفة من المملكة، لنكتشف حينها ما بلغناه من سوء، وندرك تماما كم هي سوداوية الصورة.
الصورة الكلية قبيحة، وتجميعها ضرورة، حتى نضع يدنا على الجرح، ولا نخفي العطب الذي سيزيد بمرور الوقت، ليصبح علاجه شبه مستحيل.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
(الغد)
المنظر مثير للاشمئزاز حدّ القرف. فالصور التي نُشرت للحادث، والتقطها الزميل حمزة المزرعاوي، تكشف كم اختُزِن في دواخل هؤلاء الشباب من مشاعر كراهية وحقد؛ إذ لا يقدم إنسان عادي، حتى لو كان من أصحاب الأسبقيات، على كل هذه الدموية مهما كانت الأسباب والدوافع.
حصيلة المجزرة قتيلان وإصابات بالغة. والمعركة استُخدمت فيها الأسلحة البيضاء، مع التهديد بتفجير أسطوانات غاز، والتي لو استخدمت كما هدد الشباب، لكانت المصيبة أكبر.
ولشدة الاشتباك، لم يستطع الأمن العام السيطرة على الوضع، ليتمّ الاستعانة بالدرك.
من النتائج والصور يتضح أن المعركة لم تنته إلا بعد أن صفّى طرفا المشاجرة بعضهما بعضا، فلم يخرج منها أحد سليما.
الصور مرعبة، تذكّر بما يحدث في سورية بالدرجة الأولى من قتل وتنكيل، ومصر بدرجة أقل؛ شباب ملقون على الأرض بدمائهم، جميعهم غائبون عن الوعي، وبعضهم فارق الحياة.
وسط كل هذا العنف، تبدو المطالبة بدولة القانون وتطبيقه سطحية؛ فالمشكلة اليوم أكبر، وثمة فئة من المجتمع فقدت حِسّها الإنساني، بعد أن بلغ بعض شبابنا هذا الفكر والسلوك الذي يعكس مقدار الدمار الذي لحق بمجتمعهم.
المطلوب اليوم البحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة، والتي أوصلت شبابا أردنيين إلى هذا الحد الخطير. فمن قضوا في المجزرة، أو من أصيبوا خلالها، ليسوا وحدهم من يمتلكون هذا المقدار من الكراهية والانتقام؛ بالتأكيد بيننا آخرون لحق بهم العطب.
تتضاعف الخطورة في ظل تركيبة المجتمع الأردني الشاب؛ إذ ينخفض عمر ثلثي سكانه عن الأربعين سنة، أي سن الشباب. فالعوامل التي أوصلت هؤلاء الفتية إلى هذه الحالة، قد أوصلت غيرهم، بالتأكيد، إلى المنطقة نفسها.
ولا بد من البحث عن هؤلاء الشباب الذين كانوا ضحايا لوضع عام اجتماعي وسياسي واقتصادي، تزامن مع تراخي الحكومات في تطبيق القانون، وتراجع للمعايير الأخلاقية التي تنظم علاقة المجتمع ببعضه، ما أدى إلى تدمير فئة من المجتمع باتت تؤمن أنّ أخذ الحق يكون باليد و"الخاوة"، وأنّ الحديث عن دولة القانون ليس إلا ترهات، لا قيمة لها حتى عند الحكومات التي تتغنى بها، طالما أن بعضا من مجتمعنا كفر بالحكومات وسياساتها، وبقوانينها التي تطبقها بمزاجية.
قبل ماركا كانت معان؛ وحينما شاهدنا شريط فيديو يعرض جزءا مما حدث في الجنوب، أُصبنا بالذعر والرعب، لأن مثل هذه الأحداث تكشف كم خسر المجتمع من مكانته الإنسانية والأخلاقية.
العلاج اليوم لا يكفيه رفع شعار تطبيق القانون؛ فالخراب كبير، وبحاجة إلى أكثر من يدٍ عليا.
التهتك الذي أصاب المجتمع بدأ يتضح أكثر فأكثر. وبين حين وآخر، تأتي حادثة تؤكد لنا أننا تغيّرنا، وأنّ الحديثَ عن المجتمع المتصالح والمسالم ليس إلا قولا من الماضي. ومعالجة الاختلال الذي أصاب المجتمع ومنظومته، بحاجة إلى اعتراف أولا بما حدث، وتشخيص الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومن ثمّ وضع العلاج الشامل لمرض العنف الذي ينخر أمننا وأماننا.
لم يعد الإنكار مقبولاً، وكذلك اعتبار كل حادث منفصلا عن الآخر. بل لا بد من التشبيك بين الأحداث جميعها، لرسم صورة متكاملة تجمع الأحداث المشابهة التي وقعت في مناطق مختلفة من المملكة، لنكتشف حينها ما بلغناه من سوء، وندرك تماما كم هي سوداوية الصورة.
الصورة الكلية قبيحة، وتجميعها ضرورة، حتى نضع يدنا على الجرح، ولا نخفي العطب الذي سيزيد بمرور الوقت، ليصبح علاجه شبه مستحيل.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
(الغد)