تعديلات "المخدرات والمؤثرات العقلية".. خطوات للخلف في جهود مكافحتها!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
أقر مجلس النواب اخيرا ،مشروع قانون معدل لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 2021 ، وتضمن الموافقة على تشديد العقوبة على مروجي المخدرات في الاردن .
كما وافق المجلس على عدم اعتبار تعاطي أو إدخال أو جلب أو تهريب أو استيراد أو تصدير أو إخراج أو إحراز أو شراء أو تسليم أو نقل أو انتاج أو صنع أو تخزين أو زراعة أيا من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو المستحضرات أو النباتات التي ينتج منها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية بقصد تعاطيها أي سابقة جرمية أو قيدا أمنيا بحق مرتكبه للمرة الأولى.
ويسجل للمجلس موافقته على تشديد العقوبة على مروجي المخدرات ، وكلما كانت العقوبة أشد تكون أكثر ردعا وحسما في معركة المجابهة والتصدي، واستئصال ظاهرة انتشار المخدرات وتفشيها من جذورها.
فهذه الافة آخذة في الانتشار ،كما النار في الهشيم، ولم يعد يخفى على احد حجم الدمار الاقتصادي والصحي والاجتماعي ، الناجم عن انتشارها وتفشيها في المجتمع ، وتطال الشباب من مختلف الطبقات ، وتسلمهم الى موت بطيء رخيص .
وتسجل على المجلس في المقابل الموافقة على عدم اعتبار التعاطي والادخال والجلب والتهريب والاستيراد والتصدير ...الخ أي سابقة جرمية أو قيدا أمنيا بحق مرتكبه للمرة الأولى.
وقبل الحديث عن مبعث التحفظ ومصدر القلق ومكمن الخطر ، في هذا التعديل ، لا بد من توطئة ، توضح وتبين مدى انتشار الافة وأسباب تفشيها في الاردن .
ويشير ملخص الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات 2020-2025 الى ان قضايا الاتجار وتعاطي المخدرات ارتفعت في 3%، مقارنة بين العامين 2019 و2020، فقد بلغت 19500 قضية عام 2019، وارتفعت العام الماضي إلى 20055 قضية .
وأظهر الملخص أن عدد قضايا الاتجار عام 2019 بلغ 3137 قضية،في حين بلغ العام الماضي 3937، بارتفاع نسبته 26%، فيما بلغت قضايا التعاطي 16363 قضية في العام 2019، بينما وصلت في العام الماضي 16118؛ بتراجع مقداره 1%، وهو تراجع لا يعول عليه ، اذا ما أخذنا بالاعتبار ارتفاع الأشخاض المضبوطين في قضايا الاتجار والتعاطي، بنسبة 3%، مقارنة بين العامين 2019 و2020 ؛ ففي عام 2019 بلغ 28742، والعام الماضي بلغ 29670 شخصا.
وبحسب الملخص ، بلغ عدد المضبوطين بالاتجار 6530 شخصا عام 2019، بينما العام الماضي 7730، بارتفاع نسبته 18%، أما المضبوطون بقضايا التعاطي، فقط انخفضت النسبة 1% مقارنة بين العامين 2019 و2020؛ فقد بلغ في العام 2020 نحو 21940 متعاطيا، وفي 2019 بلغ 22212 متعاطيا.
وهكذا فإن الارقام جميعا تشير الى ان الاردن إزاء ظاهرة متنامية يظهرها بوضوح زيادة عدد قضايا المخدرات في الأردن؛ إذ سُجلت في العام 2005 نحو 2041 قضية، في حين سُجلت في العام الماضي 20055 قضية، أي بزيادة 18 ألف قضية، وفقا لملخص الاستراتيجية .
ومما لا شك فيه ان عوامل عدة داخلية وخارجية تقف خلف الزيادة المضطردة في انتشار المخدرات ، لعل في مقدمتها ، التغيرات الاقتصادية الاجتماعية الحادة في السنوات الأخيرة وما رافقها من لجوء اعداد كبيرة الى الاردن ، وتفشي الفقر والبطالة ، كل ذلك في ظل ما تشهده المنطقة من حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وبشكل خاص في محيط الجوار، والمحددات التقنية والمالية لإجراءات التفتيش على المنافذ الحدودية، واستحداث مواد مخدرة جديدة .
وعود على بدء ،فإن خطر الظاهرة ما زال ماثلا، فأسبابها حاضرة بقوة ، لم يطرأ عليها أي تغيير ، لا بل ان الأوضاع تتفاقم سوءا وتشتد قسوة على المجتمع ، الذي اصبح بيئة اكثر رخاوة وخصوبة لانتشار ما نشهده من ظواهر سلبية ، ليس المخدرات الا واحدة منها ، لكنها الأكثر تفكيكا لبنية المجتمع واضعافا لتماسك الدولة .
وعليه ، اميل الى الاعتقاد بأن الجانب المتعلق بعدم التجريم للمرة الاولى سيفتح الباب على مصراعية لانتشار أوسع وأسرع للاتجار بالمخدرات وتداولها ،ومن المعروف ان التجريم المطلق للتعاطي والاتجار وخلافه يشكل رادعا قويا لأي شخص يفكر بولوج هذا العالم واختباره او التجريب، اما عدم التجريم ولو لاول مره فأنه يشجع على المغامرة وخوض غمار التجربة ما دامت تنتهي بسلام ،وكأن شيئا لم يكن .
وهنا مكمن الخطر ، فمتى دخل الشخص أبواب جحيم المخدرات ، فهيهات ان يفلت من إسارها، وكما التدخين أوله دلع وآخره ولع ، كذلك المخدرات مسافة الالف ميل صوب الإدمان عليها وصولا الى الجرعة الزائدة القاتلة تبدأ بجرعة أولى للتجريب ، وهكذا فإن عدم التجريم اول مرة يعتبر بمثابة الطعم لدخول فخ لا فكاك منه ، وواهم من يعتقد بخلاف ذلك .
ربما يجد المشرع اعذارا اجتماعية وانسانية لتبرير وتسويغ التعديل باتجاه عدم التجريم لأول مرة ، وقد يكون ذلك مقبولا في قضايا اخرى ،لكنه على صعيد المخدرات يشكل خطرا داهما، اذ يشكل قاعدة انطلاق لمزيد من التراجع في المكافحة تحت غطاء إنساني، سيسهم على المدى القريب في شرعنة الحيازة والتعاطي الشخصي ، كما في عديد من الدول ، تباع فيها المخدرات نهارا جهارا بنصوص قانونية .
مطلوب اليوم دراسة اكثر عمقا وقرارات اكثر جرأة وحكمة ،فحرب مكافحة المخدرات لا تحتمل الليونة والمهادنة والتراخي، وسوق الاعذار الواهنة ،التي تفتح ابواب جحيم لا أحد يقدر ان يغلقها إن هي فتحت .