المستشفيات ..ألم وأمل .. وبقايا صور!!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
يقولون " العتب على قدر المحبة " واكنها لمستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي بشكل كبير ، فقد تشكلت لدي على مدى سنوات ماضية صورة نمطية جميلة ، لا اريد ان يشوهها او يشوبها اي مشهد سلبي ، وتغمرني السعادة كلما تطابقت نمطية الصوره مع الواقع .
وبحكم مرض الوالد وحاجته المستمرة للعلاج والمتابعة والرعاية الصحية ، فقد أصبحت زبونا دائما في قسم الإسعاف والطوارىء والعيادات الخارجية ومرافقا للوالد في الحالات التي تستدعي دخول المستشفى عدة ايام .
وفي الإسعاف والطوارئ والعيادات الخارجية والأقسام الداخلية ترتسم في الذاكرة صور ومشاهد ،منها ما تحب أن يرسخ فيها ، وبعضها تتمنى لو أن عينك لم تقع عليها ، في هذا الصرح الطبي الذي لطالما افتخرنا بأن يكون ضمن منظومتنا الصحية ، لسمعته الطيبة ومكانته المرموقة داخل المملكة وخارجها ، ونأمل أن تتاح له فرص التوسع والتطور والتحديث والحفاظ على المكتسبات.
وقد ترددت كثيرا في عرض الصور والمشاهد ، لكنها النية الحسنة التي جعلتها تنفلت من عقالها حبرا ينساب حرا على الورق لتكون امام ناظر إدارة المستشفى عرفانا بجميل كوادره لتعزيزهم بالكلمة الطيبة حين يؤدون واجبهم المهني بروح انسانية ، والعمل على تلافي السلبي ونزع البقع السوداء التي تشوه جمالية صورة المستشفى ،ليكون كما يريده الناس الملاذ الآمن الذي يطمئن اليه المرضى .
مشهد أول / قسم الإسعاف والطوارئ.
اختزل المشهد العام هنا في الإسعاف والطوارىء ، الكل يتحرك بسرعة كوادر طبية وتمريض ومرضى ومرافقين ، أعداد كبيرة في الممرات بانتظار سرير فارغ ، ألم وأنين وصراخ يعلو تذمرا ، قلق وتوتر وترقب ممل بإنتظار يطول لنتائج التحاليل وصور الأشعة، مرافقو مرضى يلاحقون الاطباء للاطمئنان على مرضاهم ويلحون في طلب تأمين سرير ، أمهات يحتضن اطفالهن وقوفا في الممرات بفائض حنان ودمع ينسكب خوفا على فلذات الاكباد ، وبشق الأنفس يجدن سريرا .
على كل سرير حكاية ، وفي كل زاوية مشهد ، ومشاعر تشتعل وتخبو ،أنفاس تصعد وتهبط ، كما في سوق مالي مضطرب، ووسط الزحام وعلى إيقاع الألم والانين ، يقطع طبيب مقيم مشاهد البؤس ليبث في النفس المتعبة، أملا بجيل من الاطباء الشباب المتوقد حماسة لممارسة مهنته بحس مرهف وإحساس عميق بالمسؤولية تجاه مرضاه .
تعجز الكلمات ولا تفي أجزل العبارات المشهد حقه في الوصف ، فالصورة أكثر صدقا فعين الكاميرا لا تكذب ، وإذ تعذر التقاط الصورة فسأحاول أن ارسمها بالكلمات .
لم ينتظر الطبيب زميله ، الذي ذهب في رحلة البحث عن شماعة ( IV poles ) يعلق عليها السوائل لاسعاف مريض بإجراء غسل لمثانة تنزف دما ، وتحتاج الى كمية لا بأس بها من السوائل ، فوقف الطبيب شامخا متعاليا قدر استطاعته ، رافعا يداه الى أقصى حد يمكن أن تصلاه ، وبدأ بثقة وهدوء يعصر بكلتا راحتيه كيسا تلو الآخر ،غير آبه بالتعب والعرق المتصبب بقوة شلال ، حتى أنهى مهمته ، التي استغرقت اكثر من نصف ساعة .
ادهشني الطبيب المقيم في احد الاختصاصات الطبية ، شكرته مقدرا الجهد الكبير الذي بذله ، وبادرته بالسؤال : كيف لا تتوفر في قسم الإسعاف ابسط احتياجات الطبيب ؟! استدار نحوي ، نظر الي بعيون اعياها السهر ،ابتسم ومضى الى حجرة مريض آخر يئن الما ، وترك السؤال معلقا بلا إجابة .
المشهد الثاني / العيادات الخارجية .
وسط الزحام في الممر الضيق المؤدي الى إحدى العيادت الخارجية ، شق السرير بصعوبة بالغه طريقه بين جموع المرضى ومرافقيهم ، ليستقر امام غرفة الاطباء ، على السرير طفل رضيع بلا حراك ، موصول الى أسطوانة الاكسجين ، لم تشفع للأم دموعها ، واب لم يصغ لنداء إستغاثته "الطفل على الاكسجين " احد خلف باب يفتح ويغلق في وجهه مرات عدة قبل أن يؤذن له بالدخول بعد زهاء ساعة من الانتظار المُر في الممر .
اترك المشهد دون تعليق ، لكن السؤال الذي ظل يلح علي ، كيف ينقل طفل بهذا الوضع الصعب الى عيادة خارجيه دون تنسيق لاستقباله، او على الاقل تمريض يرافقه ويسهل دخول الطفل للمعالجة ؟!
المشهد الثالث/ الأقسام الداخلية .
يختلف المشهد في الأقسام الداخلية ، حين يستقر المريض على سرير الشفاء ، إذ يصله منهكا مستنزفا بعد ساعات طوال من الانتظار في الإسعاف في ظروف غير مريحة الى حين شغور سرير .
ويلفت الانتباه هنا في هذه الأقسام دور التمريض الحيوي في تنفيذ الإجراءات التي يحددها الاطباء بمهنية عالية واحتراف وانتظام على مدار الساعة ، وتأسرك طيبتهم ، وتدهشك قدرتهم على تحمل التعب والصبر على امزجة المرضى المتقلبة الحادة احيانا تحت وطأة المرض وقسوت،ه ويقابلون المزاج الحاد بخفة الدم والدعابة لا سيما مع كبار السن والأطفال.
للتمريض ودوره في المستشفيات ترفع القبعات ، وتستحق جهودهم التقدير ، والالتفات الى همومهم وتحسين بيئة العمل وظروفه ماديا ومعنويا على حد سواء ، وهم يبوحون بهمومهم وطموحاتهم بصمت ، ولا يمنعهم الظيم والظلم من اداء دورهم على أكمل وجه.