تسمم الجبة .. على بال مين يلي بترقص بالعتمة !!
حاتم الأزرعي
جو 24 :
أعلن مدير مديرية الأمراض السارية وغير السارية في وزارة الصحة الدكتور علي الزيتاوي أن مصدر إصابة المرضى الذين راجعوا مستشفى جرش الحكومي "المشتبه بتسممهم حتى الآن غير معروف "،متوقعا أن تظهر النتائج خلال الساعات القريبة.
أما وقد مر على حادثة التسمم او الاشتباه ما يقارب الأسبوع دون أن تحدد الوزارة مصدره ، فهو أمر يدعو الى وقفة تأمل وتفكير وتحليل وتفكيك للحدث لنخلص الى استنتاجات وخلاصات من أجل أخذ العبر والدروس حتى لا نبقى ندور في حلقة مفرغة ومجهول او مجاهيل يتعذر حل طلاسمها.
وبداية، نحن إزاء حدث محدود في المكان والزمان وعدد الاصابات ، ومع ذلك تقف الوزارة عاجزة بكل ما في الكلمة من معنى ، فماذا لو كان مسرح الحدث أكثر اتساعا في الرقعة الجغرافية، وامتد في الزمن الى ابعد من ايام معدودة ونتج عنه إصابات بإعداد اكبر ، ووقعت وفيات لا قدر الله ، ماذا كانت الوزارة لتفعل ؟!.
وللحقيقة ، ليس مفاجئا هذا العجز ، ولطالما حذرنا من إفراغ الوزارة من القدرات والكفاءات المهنية ، فما نراه اليوم من تلكك وتخبط وتجريب وعشوائية في اتخاذ القرارات على الصعيد الصحي نتيجة حتمية متوقعة .
وقد سرع في كشف العجز ، الازمات الصحية المتتالية ،التي تأخذ البلد في دوامات تقف الوزارة أمامها مكتوفة الأيدي ، لكنها تكابر ولا تستسلم ويهرب وزيرها الى الامام ، ليكافح التدخين ، ويوقع الاتفاقيات ، ويبتسم امام الكاميرات ظنا منه انه يستطيع طمس الحقيقة ، حقيقة عجز الوزارة !!.
دعونا نفكك ما حدث في الجبة ونعيد ترتيبه وتركيبه ،
حيث راجع المستشفى ١٢ شخصا يعانون من ألم في المعدة وارتفاع درجات الحرارة وقيء واسهال، أغلبهم من الأطفال ، وبدأت الحالات في التزايد ووصلت الى ٥٩ ، وما ان أعلنت الجهات الطبية السيطرة على الوضع حتى باغت المصدر الحر الطليق للاصابات الوزارة بمزيد من الحالات ، فأدرك الوزير غفلته وغفوته فهرع الى المستشفى بعد طول غياب عن الحدث المتفاقم .
والمتابع لمشهد الجبة في جرش ، يلمس بوضوح تام غياب الخط الاعلامي في تعاطي مسؤولي الوزارة مع الحدث وتضارب التصريحات وغياب الدقة العلمية في التوصيف لما يحدث ، فتارة اشتباه وأخرى تأكيد تسمم بالشغيلا ومرة ثالثه العودة لاستخدام تعبير اشتباه بلغة "حزر فزر" ، ولا تكف الوزارة عن ادعاء السيطرة والأمور تفلت من بين يديها !!.
يعزو خبير في الامراض السارية وغير السارية امسك عن ذكر اسمه ما يحدث من تخبط وعدم وضوح الى عدم اتباع الوزارة للاصول المهنية والعلمية المقرة والمعروفة في التعامل مع مثل هذه الأحداث واردة الوقوع في اي لحظة ، لكنها تحتاج إلى سرعة الحركة في الوصول إلى مصدر التلوث لمحاصرته ووقف تمدده واتساع نطاق ضحاياه.
وأعتقد جازما أن الفزعة في التعاطي مع الحدث ، وفي
ظل تواري الوزير الى اللحظة الأخيرة حين "فسحلت " الامور وعاد المصدر ليضرب من جديد ، اوصلت الوزارة الى الطريق المسدود وعدم الوصول بالسرعة اللازمة الى المصدر ليبقى حرا طليقا يصيب بلا تردد .
وفي غياب الكفاءات تاهت الوزارة وضلت الطريق، ولم تتبع الأصول المهنية والخطوات العلمية للتقصي الوبائي الممثلة في: التأكد من وجود تفشي ، التأكد من التشخيص المرضي الدقيق ، وضع تعريف للحالة (مؤكدة مكتملة ممكنه ) ،ايجاد وحساب الحالات المرضية ،الوصف الوبائي للمرض ،وضع الفرضيات واختبارها، إجراء دراسات وبائية بيئية مخبرية ، إجراءات المكافحة ووضع توصيات شفهية وإعداد التقارير وعرض النتائج .
ويكتسب الاعلام والاتصال دورا كبيرا في الازمات الصحية ،التي تفتح شهيته لتحقيق السبق في الوصول إلى المعلومات ، وهذا حقه وواجب ايضا ،لكنه في غياب المصدر الموثوق المأذون له بالتصريح يلعب دورا سلبيا لا سيما في مرحلة الاستقصاء الوبائي ، حين تكون المعلومات متغيرة ، فيما الناس بحالة من التشتت، وهذا ما حصل في الجبة حين غاب الاستقصاء ومعه إعلام الوزارة والمصدر الرسمي الملم بكل التفاصيل والقادر على التواصل بإنفتاح على الاعلام ، لينها بدوره على أفضل وجه في خدمة المجتمع .
باختصار كشف التسمم في الجبة بمحافظة جرش المستور الذي سعى وزير الصحة طمس معالمه حين غاب عن الحدث فتفجر بوجهه مزيدا من الاصابات بعد اعلان الوزارة توقفها ، فهرع الى هناك في الوقت الضائع ، على بال مين يلي بترقص بالعتمة !! .